مش كلام جرايد (٣) : ترعة الاسماعيلية

 | عالم المكتبات | مواقف وآراء |

مدرسة العائلة المقدسة وفرع من ترعة الاسماعيلية (شارع رمسيس الآن) عام ١٨٩٥

بقلم: نادر حبيب
 أنتشرت صورة الاسبوع الماضى بين محبى مدرسة العائلة المقدسة والكائنة في شارع رمسيس الآن وأماماها مجرى مائى وبعض الجمال يسيرون تحت سور المدرسة، وترجع الصورة لعام ١٨٩٥ وكتب عليها أن هذا المجرى المائى هو ترعة الاسماعيلية - مدرسة العائلة المقدسة هى مدرسة أنشأها الآباء اليسوعيين عام ١٨٧٩ لتعليم اللغة الفرنسية -  مما جعلنى أتعجب من المعلومة حتى تسرعت وكتبت لأصدقائى ناشرى هذه المعلومة أنها خطأ فأستحالة أن يكون ذلك الممر المائى هو ترعة الإسماعيلية لعلمـى أن ترعة الاسماعيلية في شمال منطقة شبرا الآن، وبالطبع هذا حرصا مني على أن تكون المعلومة صادقة للأجيال القادمة ولا نكون نحن سبب تدمير تاريخنا العريق، فعمدت خلال اليومين السابقين على البحث والتمحيص في تلك المعلومة وخاصة أنى دائما أحب أن أربط التاريخ بالجغرافيا والمجتمع والتغيرات التى تحدث فيه.
 
بالطبع مدرسة العائلة المقدسة لها تاريخ طويل وعريق ولكن هنا ليس مجالها الآن ولكن أسعدنى الحظ بوجود مقال بجريدة وطنى للزميلة داليا فيكتور باللغة الانجليزية يحكى تاريخ تلك المدرسة العريقة يمكنك الوصول إليه من هذا الرابط: مدرسة العائلة المقدسة
 
تاريخ مدرسة العائلة المقدسة للزميلة داليا فيكتور

 
 
الصورة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى
 
عند عودتى لمكتبتى الغنية بالاصدارات التى تتكلم عن مدينة القاهرة منذ الفتح الاسلامى لمصر وحتى يومنا المعاصر هذا، وكيف أن القاهرة شهدت العديد من المتغيرات الإجتماعية والجغرافية خلال تلك الفترة الطويلة وجدت إنه بالفعل أن ترعة الاسماعيلية كممر مائى يتجه من بولاق وحتى الاسماعيلية مرورا بالأميرية، ولكن ما سبب اللغط لى أن كل المعلومات التى قد سبق ورأيتها كانت تتحدث عن فرع واحد لترعة الاسماعيلية - عند شبرا - وأن المنطقة التى أمام مدرسة العائلة المقدسة كانت يطلق عليها خليج الزعفراني، ولكن بعد البحث في العديد من المصادر وجدت أن لترعة الاسماعيلية فرعان الاول وهو الذي يبدأ من بولاق أما الثانى فهو الذى يبدأ من شبرا - كانت معروفة بأسم "شبرا الباشا" نسبة إلى محمد على باشا الذى بنى قصره في هذه المنطقة بين المزارع الجميلة.
 
  في كتاب وجه مدينة القاهرة من ولاية محمد على وحتى نهاية حكم إسماعيل (١٨٠٥ - ١٨٧٩) لمؤلفه الدكتور حسام الدين إسماعيل والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب وفي صفحة ٢٨٩ كتب عن الاختلافات التى حدثت في خريطة القاهرة في عهد سعيد باشا والمنشآت العامة التي أهتم ببنائها والتى كان منها محطة سكة الحديد فقال : "كانت بجوار باب الحديد عند الخليج الزعفرانى المسمى بترعة الاسماعيلية، أمام جامع أولاد عنان (مسجد الفتح حالياً) أنشئت عام ١٨٥٦ عند إنتهاء خط السكة الحديد بين القفاهرة والإسكندرية، والتى كانت قد أحترقت عام ١٨٨٢، وأعيد بناؤها عام ١٨٩٣." ومن هذا المصدر نجد بالفعل أن هذا الممر المائى كان يطلق عليه ترعة الاسماعيلية، وبالبحث في الخرائط المنتشرة في ذلك الوقت تحصلنا على خريطة محفوظة بمكتبة الكونجرس صدرت عام ١٨٩٧ - Edinburgh: John Bartholomew & Co., 1897 - والتى تؤكد وجود فرعين لترعة الاسماعيلية في ذلك الوقت الفرع الأول يبدأ من بولاق ويمر في ما نطلق عليه اليوم شارع الجلاء أسفل كوبرى ٦ أكتوبر، ومنه كان يتفرع ترعة أمام محطة باب الحديد عند كوبرى الليمون والتى كانت معروفة وحتى يومنا هذا بالترعة البولاقية  - شارع الترعة في شبرا مصر - ويكمل طريق ترعة الاسماعيلية من ميدان باب الحديد وحتى الاميرية ليلتقى بالفرع الثانى والباقى إلى يومنا هذا وهو الفرع الذى يبدأ من شبرا عند المنطقة المعروفة بالمظلات اليوم.
الجدير بالذكر هنا أن الوالى محمد على أهتم بهذه الفرع وأقام هناك ميناء وورش للسفن في بولاق.
 
خريطة القاهرة يوضح بها مدخلى ترعة الاسماعيلية من الشمال في شبرا وفي الجنوب من بولاق


 وفي نفس المصدر السابق  نجد الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل وفي صفحة ٣٧٨ يذكر أن علي مبارك باشا مؤلف خطط القاهرة كتب عن الخليج الناصري قائلاً "أن الخليج الناصري كان يقع في الشارع المقابل لسراي الإسماعيلية المار من جسر أبي العلاء إلي مصر العتيقة، وكان في عهد على باشا مبارك كما قال الترعة الحلوة الذاهبة إلي السويس، أي أنه تحول إلى ترعة الإسماعيلية، ومكانه الآن شارع الجلاء، وفي صفحة ٤٠١ كتب أنه أعد تخطيطاً لمنطقة أرض الطبالة الممتدة من ترعة الإسماعيلية (جهة غمرة الآن) إلي جامع ولاد عنان (جامع الفتح بميدان رمسيس) إلى سور القاهرة عند الفجالة.

وفي نفس المصدر صفحة ٤٣٩ ذكر عن ترعة الاسماعيلية أنه بدأ إسماعيل باشا إكمال حفرها لتوصيل الماء العذب إلى السويس في عام ١٨٦٦، وكان فمها عند بولاق وتصب في البحر الأحمر عند السويس، وأصدر أمراً إلى ديوان الأشغال في ٩ مايو ١٨٦٩ بضرورة إنتهاء أعمال الحفر والتجهيزات في موعد غايته ١٥ أكتوبر ١٨٦٩، ثم تبدأ من النيل بجوار قصر النيل ولها فم آخر بجوار شبرا الباشا - المظلات - وهى أول بلد على هذه الترعة بعد القاهرة وكانت تسمى رياح الإسماعيلية ويمتد بأراضى شبرا حتى يصب عند ناحية الأميرية وعليه قنطرة بهويس لمرور خط السكة الحديدية المتجه إلى الإسكندرية، وأنشأ عليها عدة قناطر، منها قنطرة ذات ٦ عيون يلاصق رصيفها قصر النيل من جهته البحرية، وقناطر بلبيس والعباسة.
 

 


تم ردم هذه الترعة (فرع بولاق الاميرية) بدايات القرن العشرين في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني لعمل طريق للمنطقة الناشئة (حي مصر الجديدة ) لربط بينها وبين اهم ميدان في القاهرة حيث محطة قطارات مصر وساحة باب الحديد (ميدان نهضة مصر او النهضة وذلك عندما تم أفتتاح تمثال نهضة مصر بالميدان في وجود الزعيم سعد زغلول، وفيما بعد ميدان رمسيس ) وايضا لعمل خط الترام ليكون مواصلات سهلة في استقبال ضيوف العاصمة عموما …… بعد عمل الطريق حمل اسم الخديوي فـ أصبح اسمة شارع عباس ، وفي عهد الملك فاروق اصبح اسمة شارع نازلي … وفي اوائل الستينات اصبح اسمة شارع رمسيس، ويؤكد هذه المعلومة عباس الطرابيلي في كتابه خطط الطرابيلي: أحياء القاهرة المحروسة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية صفحة ٣٥٦ عندما ذكر كيف أن الشركة البلجيكية التى كان منوط لها بناء حى هليوبوليس في الصحراء أنها قامت بحملة دعاية ضخمة لجذب السكان في الحى الجديد، والتى قامت الحملةعلى أساس صحى ومالى، فالمنطقة جافة، ومرتفعة، والهواء نقى والإيجار منخفض، وكيف أن سرعة إنشاء خط الترام الأبيض - مترو - من وسط القاهرة عند شارع عماد الدين وكوبرى الليمون عاملاً مشجعاً للناس علي السكن هناك، إذ تم تشغيل خط المترو عام ١٩٠٦، حيث كان ثمن تذكرة الدرجة الأولى ١٠ مليمات، والدرجة الثانية ٧ مليمات، ونشرت الشركة وقتها إعلان في الجرائد عام ١٩٠٩ قالت فيه "واحة عين شمس - هليوبوليس - للإيجار بجوار الجامع الجديد والتروماى الذى ستنشأ قريباً،والبوت تقام على الطراز التركى، والشقق من ٣ غرف أو ٤ وفسحة وفرن والإيجار يتراوح بين ٦٠ قرشاً و١٤٠ قرشاً.
 
ومما يؤكد هذا التغير ما سجل في خريطة القاهرة لمرة أخرى وهي تلك الخريطة التى صدرت عن مصلحة المساحة عام ١٩٢٠ والمحفوظة أيضاً بمكتبة الكونجرس، والتى نرى تحول فيها المنطقة بشكل كبير فميدان باب الحديد وقد ردم وأصبح أرض صلبة والممر المائى لترعة الاسماعيلية أصبح شارع عباس والذى تغير أسمه في عهد الملك فاروق ليكون بأسم شارع الملكة ناظلى أو شارع الملكة ليتيغير بعد ذلك في عهد ثورة ١٩٥٢ ليأخذ أسمه الحالى شارع رمسيس، وفي تلك الخريطة يظهر لنا موقع مدرسة وكنيسة العائلة المقدسة، وكذلك يظهر التحول الذى حدث للترعة البولاقية في شبرا ليصبح شارع الترعة البولاقية الشهير.
 
خريطة القاهرة لعام ١٩٢٠ ونشهد بها العديد من التغيرات الجذرية التى حدثت نتيجة تطور المجتمع

الحديث عن القاهرة وتطورها لن ينتهى فلكل شارع حكاية ولكل زمان أبطاله، فتغير الخريطة يدل على قوة المجتمع ورغبته في التطور للأفضل، في بعض الأحيان يكون هذا التغير مؤلم ولكن المستقبل دائما هو الأفضل، الاهم من كل هذا أن نعرف من نحن وما هو تاريخنا وأن نحفظ ذلك لأبنائنا والاجيال القادمة ليعرفوا كل مل قدمه الأباء والاجداد في سبيل إسعادهم.

لم يتبق لى إلا أن أقدم لأصدقائى الدكتور أنور حجاج وزميلى الصحفى جورج شقال أعتذار عن تسرعى في رفض المعلومات التى نشروها على صفحاتهم، وعلى أن هذه المعلومات خاطئة ولكن هذا كان بدافع الغيرة والرغبة في الحفاظ على التاريخ صافى وصادق للأجيال القادمة، وأقدم لهم الشكر في نفس ذات الوقت، لأنهم دفعونى للبحث والفحص عن هذه المعلومات بشكل جاد وأضفت على ما قدموه من معلومات على أمل أن يتقبلوا أعتذارى...
 
تاريخ مصر كبير وأتمنى في يوم من الأيام أن تقدم هذه المعلومات لأبنائنا في المدارس ليكون التاريخ شيق عندما نربطه بجغرافية المكان الذي نعيش فيه، عندها سيكون كل طفل وطفلة، كل شاب وشابة يعرفون هويتهم وبلدهم حق المعرفة.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة