| عالم المكتبات | مواقف وآراء |
بقلم: نادر حبيب
الفنان العظيم تولستوى عرف الفن قائلاً: " أنه هو الذي يجعلك تحس أنه صادق، حتى ولو كان كذباً"
مسلسل عايشة الدور هو المسلسل الوحيد الذي تابعته خلال شهر رمضان ٢٠٢٥، وذلك لأنى ومع أسرتي لا نحب أن نشاهد هذا الكم الهائل من المسلسلات مرة واحدة ونحاول أن نركز ونستمتع بعمل درامى واحد كما كنا نفعل ونحن صغار، وبعد إنتهاء الشهر الكريم وفترة الدراسة نستغل الصيف في مشاهدة وإنتقاء من المسلسلات ما يناسبنا ويدخل البهجة إلى قلوبنا وبدون إعلانات مستفزة .. يا لها من متعة حقيقية.
نعود لمسلسل عايشة الدور، الذي يقص علينا قصة تلك السيدة في نهاية الثلاثينيات والتى كانت قد تزوجت وطُلقت، وكانت نتيجة هذا الزواج أبنة في المرحلة الإعدادية، وطفل في الأبتدائية، ولها مشاكلها التى تقابلها أى سيدة في نفس موقفها وظروفها.
ولكنها أستغلت فرصة جاءت إليها على طبق من فضة لكى تنضم إلى الجامعة مرة أخرى لتعيش حياة بنت عمرها في نهاية العقد الثانى وتزيف شخصيتها كفرصة لتجديد حياتها وكأنها تحاول أن تضغط على زرار الRestart مرة أخرى، لعلها تستطيع تشكيل حياتها كما تريد بعد أن أكتسبت خبرات وتجارب في عمرها الفائت.
هل إذا جاءت لأى أحد تلك الفرصة في أن يعيد حياته من البداية مرة أخرى هل سيرفض؟ بالطبع لا، ولكن هنا بعض الأمور التى لا يجب أن ننساق خلفها ولا نتغافلها.
وبالرغم من الآداء المميز للفنانة دنيا سمير غانم، ـــ والتى دائما ما أقول عنها، أنها الهدية الرائعة التى تركها لنا الفنان سمير غانم ـــ إلا أنني فوجئت بالعديد من المشاكل التى قد تقابلنا ونحن لسنا على دراية بها، ومن كثرة ما هى أمامنا تعودنا عليها فأصبحنا لا نشعر أنها مشكلة في الأساس، أولا فكرة الفرق بين الأجيال وأن لكل جيل مختلف تماماً، في لغته وتصرفاته عن الجيل الذي سبقه، ولكن المشكلة هنا أن هذا الأختلاف أصبح كبيرا جدا في فترة زمنية صغيرة جداً، في اللغة والفكر والمعرفة والثقافة وطريقة الحصول على المعلومة والتأكد منها، فبالرغم من أن إمكانيتنا كانت ضئيلة إلا أننا كنا نبحث عن المعلومة بشغف ونحب أن نسمع من كبارنا، إنما هذا الجيل فلديه المعرفة بين أطراف أنامله إلا أنه لا يريد أن يتعلم ويتعرف على ما سبقه، وفي نفس ذات الوقت فكرة وجود المعلومة بين يديه في أى وقت أعطته غرور زائف بأنه عالم ببواطن الأمور .. شئ صعب جداً.
ومن خلال تجربتى في التدريس بالجامعات وكليات الإعلام المختلفة وعلى مختلف مستوياتها ومع التحامى في مناقشات مع الطلبة، أجدهم بالفعل لا يعرفون تلك الأشياء البديهية، ولا يريدون أن يتعلموا، ولكنها أوقات سعيدة يقضونها قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة العمل ..
بالطبع ليس كل الطلبة ولكن أشعر أنها الأكثرية، فتخيل معى مثلاً، كيف أن طالب كلية إعلام لا يعرف أهم ثلاث جرائد في مصر (الأهرام، الأخبار، والجمهورية)، أو أن طالب آخر لا يعرف معنى كلمة مجلة أو أنها أشتراها في يوم من الأيام، أو غيرها من الأمور، كلها أمور مرعبة كلما خلوت إلى نفسي لأفكر بها، وهنا أتذكر قول مارى منيب في مسرحية إلا خمسة عندما قالت لعادل خيرى: " أنت جاية تشتغلى إيه؟"
الأمر الثانى هو شعورنا نحن الكبار كلما نشاهد مثل تلك النوعية من المسلسلات التى تعتمد على الجرائم، فإنتحال الشخصية هنا جريمة وقعت فيها بطلة القصة (عائشة) التى عاشت الدور وقامت بإنتحال شخصية إبنة أختها الجامعية (فاطيما) وجعلتنا نقع في حبها ونحب ما تقوم به، وننتظر ما سيحدث في الحلقة التالية بكل شغف. هل هذا يعقل؟ وهل لوثنا العالم بأفكاره لدرجة أننا أصبحنا نفرح لمتابعتنا مسلسل لواحدة تنتحل شخصية أخرى؟ بالطبع هنا الكارثة وتغير ملحوظ في شخصيتنا، فبعد أن كنا نحب مشاهدة مسلسل يوميات ونيس وضمير أبلة حكمت، وأبنائى الأعزاء شكرا، مسلسلات عائلية تظهر كل ما هو جميل وتحسن وترتقى بسلوكنا وطريقة تعاملنا مع الآخرين وعلاقتنا الاجتماعية بمختلف أنواعها.
وبعد أن كانت قدوتنا شخصيات هادفة ومعلمة، أصبحت الشخصيات الإجرامية هى التى تبهرنا، بل وتجعلنا نقع في غرامها، مثل مسلسل بـ١٠٠ وش تلك العصابة التى تميزت بمهارة الاحتيال والسرقة وجعلنا نحب بل ونعشق أفراد العصابة مع أختلاف شخصياتهم وشعرنا بالحزن في لحظة قرب وصول الشرطة لهم (أمر مريب فعلا) وكأن ما درسناه في إعلام حقيقة، في أن الأنسان يستغل الفن في مشاهدة نفسه الشريرة في مشاهد خيالية لا يستطيع أن يحققها في العالم الواقعى، وهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر وننتبه لأنفسنا وما بداخلنا من رغبات وآمال لا نستطيع تحقيقها.
ولكن تظل هنا كلمات تولستوى التى بدأت بها هى التى تراودنى وتهون على هذا الخطر، بالرغم من الآداء الصادق للفنانة دنيا وبراعتها في تمثيل العديد من الشخصيات في مسلسل واحد ـــ كما برعت بذلك في العديد من الأعمال الدرامية السابقة ـــ إلا أن هذا العمل ما هو إلا كذبة، قد تكون قصة حقيقية حدثت بالفعل، أو أنها من خيال المؤلف، ولكن في النهاية هو فن حاول كل من فيه أن يعمل بصدق وإحترافية.!
Tags:
مواقف وآراء