| عالم المكتبات | قصاقيص |
عندما طالب النائب السلفي جمال حامد عن حزب النور في مجلس الشورى في ٢٠١٢، بإلغاء فن الباليه فى مصر، واصفاً إيّاه بـ «فن العُري باسم الفن»، وذلك خلال اجتماع للجنة الثقافة والإعلام والسياحة بالمجلس، معتبراً أن هذا الفن ينشر الرذيلة بين الناس جعلنى أبحث بين طيات الكتب عن تاريخ الباليه وبداياته، يسجل كتاب the encyclopedia of visual art فى الجزء الأول أن الفراعنة هم أول من صنعوا الدراما الراقصة التى تحكى بالرقص قصصاً وحكايات ومعان، والتى تُعد الفكرة الأولى للرقص التعبيرى أو الباليه الذى نعرفه اليوم، وقد تجلى ذلك فى نقوش الأسرة الخامسة والتى أظهرت النساء يرقصن فى جماعات منتظمة تشبه تماماً ما نراه فى أحدث أنواع رقصات الباليه الحالى، وكذلك ايضاً فى نقوش الدولة الوسطى بمقابر “بنى حسن”، كما أظهرت رسوم الإنتصارات الحربية وتعدد الرقصات التعبيرية الدرامية التى قدمها القدماء فى الأفراح والأحزان والانتصارات وغيرها.
وفى كتابها ودراستها عن “تذوق فن الباليه” تذكر لنا راجية عاشور كيف كانت بدايات فن الباليه وتؤكد أن الرقص يعد شكلا من أشكال الفن، يستطيع أن يعبر عن إحدى العواطف الإنسانية من حب وكره، الم وسعادة ..إلخ، ويستطيع أن يعبر عن شعور ما بالحياة، وقد عرف الإنسان الرقص قديماً، للتعبير عن مكنون نفسه وقيمه وإنفعالاته المختلفة، فقام بنقلها للمشاهد من خلال الحركات البدنية، حيث أستطاع أن يعكس إحساسه بالحياة ونظرته الأساسية للعالم من خلال حرية وتنوع حركات الرقص، ومن ثم فإنه يمكن التعبير والإيحاء عن جميع المشاعر والإنفعالات بالخطوات والقفزات وحركات الدوران وبمساعدة الإشارات والإيماءات، وقد ظهرت عدة ألوان من الرقص تختلف وتتباين حسب الثقافات ومراحل التطور التى تسود البلاد خلال فترات ظهور وأنتشار كل من تلك الرقصات، ويوضح هذا الأختلاف والتباين مدى تأثير الأفكار والتقاليد والقوميات على تنوع ألوان الرقص، وقدرته الواسعة فى إنتاج أشكال كثيرة تعكس الإحساس بالحياة.
وتضيف عاشور قائلة أن فن الباليه هو أحد فروع الرقص، ورغم تأثره وتفاعله مع الظروف الإجتماعية والأقتصادية التى واكبت تأسيسه، إلا أنه منذ البداية مالت حركاته إلى الثبات والإلتزام بالأوضاع الأساسية للقدمين والذراعين، والمحافظة على توازن الجسد والتقيد بالعناصر الحركية العديدة التى سبق تقنينها، ويعتبر الباليه هو فن الرقص الراقى الوحيد الذى تم وضع مبادئه وأسسه فى العصر الحديث من الهواة المنحدرين من الأسر الملكية، ثم الهواة من عامة الشعب، وقد كان البلاط الفرنسى سبباً جوهريا فى ظهور وأنتشار فن الباليه، حيث كان للملوك والأمراء دور فى تأسيس هذا الفن.
إن النشأة الأولى لفن الباليه ترجع إلى إيطاليا وخاصة فى عصر النهضة كما أطلق عليه فى القرن الرابع عشر والخامس عشر، وقد ظهر الباليه فى تلك الفترة عن طريق حفلات البلاط وتنافس الملوك والأمراء فى مجال الفن، ولما كان الرقص عنصراً أساسياً فى تلك الحفلات ظهر نوع من الرقص سمى فيما بعد بفن الباليه، وهى كلمة إيطالية مشتقة من كلمة Ballare وتعنى رقص، ومن هنا يرجع الفضل لإيطاليا فى ظهور أول تكنيك لهذا النوع من الرقص، على الرغم من أنه فى تلك المرحلة لم يكن التكنيك هو الأساس الذى يقوم عليه الرقص، بل كانت النواحى الجمالية فى الخطوات والتشكيلات الجماعية، والملابس والإكسسوارات المبهرة هى الطابع الغالب على هذه الحفلات، ولم تكن الموهبة الفنية تعنى شيئاً فى ذلك الوقت، ويمكن أن نرجع ذلك إلى صعوبة التحرك بحرية كبيرة مع أرتداء الملابس الطويلة والثقيلة والإكسسوارات الكثيرة التى كانت سمة من سمات تزيين الملوك والأمراء فى تلك الحفلات.
ثم نقل الباليه من إيطاليا إلى فرنسا عن طريق الملك «فرنسوا الأول» حيث كانت علاقته وثيقة مع معظم شخصيات عصر النهضة، وحيث كان يؤمن بالأفكار الفنية والنواحى الجمالية، فعمل على إقامة الكثير من هذه الحفلات الفنية الراقصة، حتى جاء ولى العهد «هنرى الثانى» وتزوج من كاترين ديمودتش Catherina de Medici والتى يرجع لها الفضل فى نشأة الباليه فى فرنسا، وهى إيطالية الأصل وقد جلبت معها هذا الفن من إيطاليا إلى فرنسا.
ولم يكتف الملوك والأمراء فى فرنسا بالأهتمام بهذا الفن، بل إنهم وبشكل أساسى كانوا يشتركون فى الأحتفالات داخل البلاط الملكى والقصور مما جعل الكثير من الخطوات وحركات وإشارات هذا الفن تأتى متأثرة بلغة جسد الهواة من الأسر الملكية لتلك الفترة، وكان أول عمل يمكن أن يطلق عليه أسم باليه فى ذلك الوقت هو باليه كوميديا الملكة Ballet Comique de la Reine وقد وضعته كاترين فى فرنسا عام 1581م للأحتفال بزواج أخت الملكة، وكان الراقصون من أمراء البلاط الفرنسى، ومن هنا يحسب للفرنسيين أنهم قاموا بتحويل هذا الفن من مجرد ترفيه فى حفلاتهم إلى فن حقيقى يقدم من خلال أعمال لها نص ملحن وخطوات مصممة من أجل مناسبات معينة، مع الأخذ فى الأعتبار أن هذه الأعمال لم تكن تقدم على مسرح فى ذلك الوقت بل فى ساحات البلاط الملكى والقصور. وباليه كوميديا الملكة ليس كوميدياً ، بل هو عبارة عن عمل يجمع بين الكلمة الملقاة والغناء الفردى أو الكورالى، والرقص، والشعر، وقد أستغرقت مدة عرض هذا العمل خمس ساعات، وقد كانت مصاريفه باهظة جداً مما جعله عملاً مبهراً.
وأستمر هذا الشكل من أعمال الباليه مدة طويلة، حتى قيام الثورة الفرنسية عام 1798م وتدهور الحالة الأقتصادية للبلاد، الأمر الذى أستحال معه تكبد تلك المصاريف الباهظة لإقامة الحفلات، وبدأت الأعمال الفنية الراقصة تتفاعل مع الظروف الإجتماعية والأقتصادية التى واكبت تأسيس فن الباليه فبدأ حجم العروض يقل تدريجياً، وأخذت الكلمة تتناسق مع الحركة، وأرتبطت الرقصات ببعضها البعض، وشيئاً فشيئاً أقتربت هذه الأعمال الفنية من العروض المسرحية، مع تطور كبير فى المسرح.
أما لويس الرابع عشر فقد أصدر فى عام 1661 امرا بتاسيس اول مدرسة رقص فى تاريخ الباليه « معهد الرقص الملكى « و بدا من هنا تاليف و تنظيم التدريب لرقص الباليه و حددت حركات الايدى و الارجل فى رقص الباليه و استمر هذا النظام حتى اليوم و فى النصف الثانى من القرن السابع عشر خرج فن الباليه من القصور و صعد خشبات المسارح و اصبح فنا مسرحيا .
وبفضل هذة المدرسه ظهرت اول دفعه من الممثلين المحترفين لعرض الباليه و لكن فى ذلك الوقت لعب كل الادوار فى مسرح الباليه راقصون رجال و حتى عام 1681 عرضت فى قاعة الاوبرا بباريس مسرحيه يعنوان « نصر الحب « ظهرت فيها اول راقصه باليه على خشبه المسرح و اصبحت الراقصه هى البطلة فى المسرحية حيث تعد « جيان فاندن « اول باليرينا فى التاريخ .
و الجدير بالذكر ان فى الباليه الكلاسيكى دائما ما تلبس الفتيات قمصانا سوداء و بنطلونات ورديه مشدوده على الجسم و يعد اسلوب تصفيف الشعر جزء من ملابس رقص الباليه ابضا حيث تشد الراقصات شعرهن بشكل كعكة شعر حتى تظهر ملامح روؤسهن و اعناقهن بوضوح و جمال، كذلك فان الحذاء الذى يرتديه الراقصون و الراقصات يكون مصنوع من جلد خفيف او قماش حيث تلبس الراقصات اللون الوردى و الراقصون اللون الاسود او الابيض .