تنمية عادة القراءة عند الأطفال

عالم المكتبات | أضواء |



قلم: نادر حبيب

الكتاب والقراءة مهمان جدا لكل لأعمار، للكبير فيزداد معرفة وللصغير فيبدأ بتعلم الحياة من حوله، وبالرغم من هذا فأنك لا تجد من يقراء اليوم، وأصبح المحمول هو الجهاز الوحيد المتحكم بالبشر، بل هو الوسيط الغريب الذى يعتمد عليه الجميع في الحصول على المعلومات والمعرفة والثقافة، وهو ما يعتبر مصدر للثقافة الوهمية، والدليل على ذلك أن الدول المتقدمه لازالت تشجع على القراءة الورقية بل أنها تقدم الكثير من الدعم للمكتبات المحلية من أجل أن توفر المعرفة والثقافة لمواطنيها .. وعلى سبيل المثال قام عمدة مدينة دبلن عاصمة أيرلاندا بالأعلان عن مبادرة أنضم إلينا Join up! والتى تستهدف تشجيع الأطفال في الصف الرابع للإنضمام لمجتمع المكتبات، وذلك بتقديم هدية قيمة عبارة عن حقيبة بها كتاباً وإستمارة عضوية للمكتبة، ومن خلال هذه المبادرة سيتم تسليم الهدايا ل٦٦٠٤ طفلا في ١٨٦ فصلاً على أنحاء مدارس المدينة كاملة، وهذا بالطبع لا يدل إلا على أهتمام المسئولين لتنمية عادة القراءة وبالتالى الأهتمام بالثقافة والمعرفة للأجيال القادمة والذين هم عصب الأمة ومستقبلها ...


"ولأننا نعانى في مجتمعتنا العربية من ظاهرة الأنصراف عن القراءة بوجه عام فأن ذلك يرجع في معظم أسبابه إلي مرحلة الطفولة التى لم يجد فيها أطفالنا قدوة لهم في الأهتمام بالقراءة، وأحترام الكتاب ومد يد العون لهم في مراحل القراءة الأولى ولم يجدوا فيها مكتبات قريبة وكثيرة ومفتوحة تجعل العثور على الكتاب الذى يناسب أهتمام كل طفل أمرا يسيراً. "


هذا ما كتبه يعقوب الشارونى في مقدمة كتابه «تنمية عادة القراءة عند الأطفال»  والصادر عن دار المعارف من سلسلة أقرآ عام ٢٠١٨، وفي هذا الكتاب يحاول الشارونى أن ينبه الكبار على أن عليهم دور مهم جداً نحو الأطفال، لتنمية عادة القراءة لديهم، ولهذا يؤكد دائما فكرة أن لكل عمر له كتاب خاص به ينجذب إليه، وهو ما يعرف بسلوك الأطفال نحو الكتب والذى يمكن أن نلحظه على الأطفال من عامهم الأول بمجرد أستيعابهم لما حولهم كبقية الأشياء وحتى وصولهم لسن الرابعة أو الخامسة من العمر والتى يدركون فيها أن هناك علاقة بين النص المطبوع والقصة التى يستمعون إليها، ويظنون أن كل ما يقوله القارئ مستمد من النص نفسه، فيبدأ الأهتمام الحقيقي بالقيمة اللغوية للكتاب.


ومن خلال المراحل السابقة لتعلم القراءة نكتشف أن القراءة في حقيقتها عملية معقدة وليست مجرد عملية التعرف على أسماء الحروف وكيفية نطقها أو مجرد التعرف على الكلمات ونطقها، إن عملية القراءة تتضمن فهم معانى الكلمات والجمل والربط بين تسلسل الأحداث مع القدرة على التركيز والتذكر والأستيعاب والنقد، وعلى إعادة التعبير عما تمت قراءته، ولهذا يؤكد الشارونى في كتابه إلي أن الأستمرار في حب القراءة والأقبال على الإطلاع، وأحترام الكتب، يجب أن تسبقه خبرات سعيدة، في بيئة تعمل على إنماء شخصيات الأطفال وتحيطهم بالكتب المناسبة لأعمارهم وتعطيهم المثل في أشخاص بالغين يهتمون بالقراءة.


أما بعد تعلم القراءة يجب أكتساب العادات الرئيسية للقراءة، حيث يتعرف الأطفال على الحروف والكلمات والتراكيب، ويكتسبون القدرة على مزج الكلمات ببعضها لتكوين الجمل، كما ينظرون إلى القراءة على أنها ترجمة الرموز المكتوبة إلى ما تدل عليه من معان، وتكون سرعة الأطفال في القراءة الجهرية أكبر من سرعتهم في القراءة الصامته، وفي نهاية هذه المرحلة يبدأ الأستقلال في القراءة، ومع التقدم في العمر من سن السابعة وحتى السابعة عشر تبدأ تتطور نوعية القراءة والكتب التى يختارها الطفل بداية من قصص الحيوانات وحتى قصص المغامرات والأبطال للفتيان والقصص التى تدور حول العواطف الأسرية والفنية للفتيات.


أما عن نوعية القصص التى يجب أن نقدمها للأطفال فيؤكد الشارونى في كتابه أن الرأى قد أستقر لرجال التربية وعلماء النفس، على أن الأسلوب القصصى هو أفضل وسيلة نقدم عن طريقها ما نريد تقديمه للأطفال، سواء كان ذلك قيماً دينية أو أخلاقية، معلومات تاريخية أو جغرافية، توجيهات سلوكية أو إجتماعية، ولكن يجب أن نحذر من أن أكثر النماذج السيئة التى تقابلنا في قصص الأطفال تلك القصص التى تمجد العنف كوسيلة لحل المشاكل...


يجب أن لا ننسى أن تاريخ الحضارة، هو تاريخ إحلال العقل محل العنف والقوة، فيقول الشارونى : «أنه عندما نقدم للأطفال شخصيات مثل طرازان الذى تربى بين الحيوانات، والذى لا يعرف وسيلة لحل ما يواجهه من مشكلات إلا القوة البدنية فإن الأطفال سيسقطون من سلوكهم كل ما قدمه لنا تاريخ الحضارة من وجوب أستخدام العقل في حل المشكلات بدلاً من العنف والقوة، وهو أمر يتنافى مع أهم أهداف التربية السلوكية للأطفال».


وينتقل الشارونى إلى فكرة مهمة جدا لكى نشجع الأطفال على القراءة، وهى فكرة حكى القصة، حيث أن طريقة إلقاء القصة عليهم ستزيد لديهم الشغف  في حب القراءة مستقبلاً، ولهذا من يحكى قصة الأطفال عليه أن يعايش القصة ويعرف تفاصيلها، ويعمل على إلقائها بطريقة معبرة عن طريق تغيير طبقات الصوت والإنتقال بسلاسة ما بين الصوت العالى والصوت الهادئ، وكذلك أختيار القصة المناسبة للعمر المناسب، وهذا بالإضافة لوضع طول القصة في الإعتبار، فكلما كان الطفل صغيرا كان يجب أن تكون القصة قصيرة والعكس صحيح، مع أختيار الوقت المناسب لإلقاء القصة على الطفل، مع إتاحة مكان مريح للطفل أثناء إلقاء القصة حتى لا يشعر بالتعب ويستمع وينتبه للراوى أطول مدة ممكنة، وبالطبع الترحيب بأسئلة الأطفال في أى وقت أثناء إلقاء القصة في جو من المرح والسعادة والإستعانة بالوسائل السمعية والبصرية التى تساعد الطفل على التركيز في عناصرالقصة...


وفي نهاية الكتاب الذى تدور أفكاره في ١٧٠ ورقة يرى الشارونى أن المكتبة لها دور كبير في تنمية عادة القراءة مثلها مثل الأبوين في المنزل، ويؤكد أن وجود مكتبة على مقربة من الطفل، هو من أهم الوسائل التى تعاون على تنمية حب القراءة لدى الطفل .. فأن عرض الكتاب أمامه بأستمرار، خاصة في مكتبة الفصل، يخلق بينهم وبينها ألفة مستمرة ومودة متزايدة، مما يشجعهم على إنشاء مكتبات خاصة لهم في منازلهم على غرار هذه المكتبة.


ولذلك فأن المكتبات أصبحت من أهم وسائل التثقيف، وهى في نفس الوقت من أسهل هذه الوسائل وحودا، والأمر يحتم علينا الأهتمام بنشر مكتبات للأطفال على أوسع نطاق، في كل حى وفي كل قرية، بل في كل شارع إذا أمكن، لكن مكتبات المدارس ستظل تشكل أهم نوعيات المكتبات بالنسبة للأطفالنا.


إن عدم ميل الشباب إلي القراءة، يرجع إلى وقوعهم يوماً بعد يوم تحت رحمة أجهزة المحمول والتلفزيون والأنترنت، وهذا ما نريد أن نغيره، وذلك أن نجعل القراءة عادة، ومتى أصبحت عادة، فأن الألفة مع الكتاب تؤدى إلى نمط من المشاركة التى تجعل الإنسان يشعر وكأن الكتاب صديقاً له. إننا عندما نقرأ، نمر بكثير من الخبرات التى نختبرها بأنفسنا، هذه القراءات تجعلنا نحلق في عالم هو مزيج من الأفكار والأحلام، فتصبح حياتنا أكثر ثراء وبهجة، وقد نتوصل من خلال هذه القراءات إلى أسلوب في الحياة، يجعلنا أكثر قدرة على مواجهة المشكلات التى تعترضنا.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة