بقلم: نادر حبيب
في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، وعندما كان إرسال التليفزيون المصري لا يتعدى الثلاث قنوات، لا رابع لها، كان كل الشعب المصري علي قلب رجلا واحد، يشاهدون معاً التلفاز في المدينة كما يشاهده أهل القرية، برامج، أفلام، مسلسلات وحتى ماتشات وبرامج إخبارية وحوارية في مواعيد ثابتة يمكن أن تضبط ساعتك عليها، إلا إذا كان هناك حدثاً هاماً متعلقاً بالرئاسة، فتتحول كل القنوات وتنضم كل القنوات إلى القناة الأولى في إرسال واحد مع اختلاف أن القناة الثانية كانت عبارة عن ترجمة لما تبثه القناة الأولى باللغة الانجليزية.
في ذلك الوقت كانت تخرج علينا جريدة الاهرام يومياً وفي صفحتها الثانية بأهم جدول يمكن أن يسعد كل الاطفال والشباب من هم دون سن العمل، فيه تقدم الجريدة مواعيد ما سيقدمه التليفزيون المصري في ذلك اليوم، وعلي قنواته الثلاثة بداية من الافتتاح بتلاوة القرآن الكريم وما تقوله الصحافة وحتى عرض للسهرة والختام بتلاوة القرآن الكريم، وذلك بالطبع ليستطيع كل واحد أن ينسق مواعيده ما بين القراءة واللعب وبالطبع مشاهدة البرامج المحببة، وكل واحد وحسب ميوله واهتماماته.
ولكن ما بين كل تلك البرامج كان هناك شيء واحد يستطيع أن يجمع كل المصريين في نفس الوقت وهو المسلسل العربي في القناة الأولى بداية من الساعة الثامنة وحتى التاسعة إلا ربع الخاص بالبرنامج الديني المميز حديث الروح، وبعده تأتى نشرة أخبار التاسعة بموسيقاها المميزة، وبعد انتهائها يتحول الجمهور السعيد للقناة الثانية فوراً لمشاهدة ومتابعة أهم مسلسل جذب الملايين من الشعب المصرى، كباراً وصغاراً، لأنه كان مختلف كلية عما كان يشاهده المصريين من قبل، من حيث القصة والملابس والديكور وحتي الممثلين والممثلات، وبالرغم من أن المسلسل كان بطئ جداً، وأحداثه كانت تمر بمنتهى الرتابة إلا إنه أستطاع أن يجذب الجميع، فلا تجد أحد في الشارع وقت إذاعته، وإذا نزلت وممرت على أى قهوة ستجد الرواد وقد جلسوا في صمت لمتابعة المسلسل وكأنهم في درس لتقوية اللغة الانجليزية، لقد تسبب هذا المسلسل لتغير فكر المصريين لانه كان مختلف عن ثقافة الشعب المصري في كل شئ، في القصة، والملابس والديكور وحتى جمال وروعة إطلالة الممثلين والممثلات، وحتى علي ما أعتقد أنه غير شكل الدراما المصرية في ذلك الوقت، بشكل كبير.
مسلسل The Bold and the beautiful الذي تدور أحداثه في عالم الأزياء الراقية بمدينة بيفرلي هيلز، حيث تسيطر عائلة فورستر القوية والراقية على دار الأزياء الشهيرة "فورستر كرييشنز". ورغم ما يبدو من حياة مترفة مليئة بالثراء والجمال والنفوذ، تخفي هذه العائلة وراءها عالمًا من الصراعات الشخصية والعلاقات العاطفية العنيفة والعداوات المريرة والخيانة المدمّرة، من زيجات مضطربة وانفصالات مؤلمة إلى صراعات مع الإدمان وخسائر مأساوية، تواجه عائلة فورستر سلسلة لا تنتهي من التحديات العاطفية والأخلاقية التي تختبر متانة الروابط العائلية وتهدد بكشف ما يحاولون إخفاءه خلف الواجهة البراقة، والمسلسل تدور أحداثه في ٢٥٠ حلقة سنوياً والتي وصلت حلقاته في ذلك الوقت إلى حوالى ١٧٦٠ حلقة.
ولأن جريدة الأهرام تتبع مؤسسة قوية كان يرأسها في ذلك الوقت الأستاذ إبراهيم نافع، كان أستطاع أن يطلق مجلة تهم شئون المرأة والجمال بمساعدة الرائعة الأستاذة سناء البيسي تحمل أسم "نصف الدنيا"، وفي عامها الخامس وفي العدد ٢٤٠ الصادر في ١٨ سبتمبر ١٩٩٤ كان غلاف المجلة يحمل لنا صورة لأهم بطل في ذلك المسلسل لتكسر به قلوب البنات في ذلك الوقت الحالمات بالحصول علي الفتى الأول ريدج لتعلن عن خبر زواجه في الولايات المتحدة، وجعلت الموضوع في نهاية المجلة، لتحمس المصريين علي البحث عن الخبر الذي سيرج مصر كلها فهو أصبح موديل للشباب، وحلم كل فتاة أن تتزوج بمثل هذا الفتى الرقيق المشاعر الحالم ليتعرفوا علي من تكون زوجته الجميلة التي استطاعت أن تفوز بقلب ريدج، وقد حضرت هذا الزفاف ــ الذي لم يكن سوى زفاف في حلقات المسلسل ريدج وتايلور ــ كمراسلة لجريدة الاهرام الدكتورة عايدة تكلا مع مراسلين أجانب من عدة دول تم إذاعة المسلسل به بناء علي طلبها من شبكة NBC الامريكية، الذي شاهده ما يقرب من ٩٠ مليون شخص حول العالم.
لقد كان ريدج حلم كل الفتيات في ذلك الوقت بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهو الأكثر جاذبية وحيوية، وظل في ذاكرة المصريين حيث أن وجه ريدج فورستر محفورًا كرمز للجاذبية والكاريزما في مسلسل The Bold and the Beautiful. وعلى مدار ٢٥ عامًا، ارتبط هذا الوجه بالفنان الأمريكي رون موس، الذي لم يكن مجرد ممثل، بل كان أيقونة تلفزيونية وموسيقية وثقافية امتدت شهرته من لوس أنجلوس إلى روما فإلى سيدني.
وُلد رونالد مونتاج موس في ٤ مارس ١٩٥٢، بولاية كاليفورنيا، في قلب مدينة لوس أنجلوس، التي تشكّل فيها وعيه الفني مبكرًا. لم يكن الطريق إلى الشهرة مفروشًا بالكاميرات، بل بالأوتار الموسيقية؛ إذ بدأ حياته الفنية كموسيقي، وأسّس في السبعينيات فرقة Player، التي قدّمت واحدة من أنجح أغاني الروك العاطفي على الإطلاق: Baby Come Back، حيث تصدّرت الأغنية قوائم بيلبورد عام ١٩٧٨، لتضع اسمه في قوائم مشاهير الموسيقى قبل التمثيل.
في عام ١٩٨٧، عُرض عليه دور "ريدج فورستر"، المصمم الوسيم والمتمرد في مسلسل The Bold and the Beautiful، فكان أن تحوّل إلى ظاهرة عالمية؛ واحتل وجهه شاشات أكثر من ١٠٠ دولة، ولاقى المسلسل شهرة خاصة في إيطاليا وفرنسا وأستراليا.
خلال ٢٥ عامًا من الأداء، لم يكن ريدج مجرد شخصية، بل تحول إلى أيقونة تمثل الرجل المعقّد، المتردّد بين الحب والعائلة، والواجب والرغبة، وبخروجه المفاجئ من المسلسل عام ٢٠١٢، لم يودع الجمهور الشخصية فحسب، بل ودّع جزءًا من ذاكرة الشاشة الصغيرة.
بعد خروجه من المسلسل، لم يذهب رون موس إلى التقاعد، بل عاد إلى حبيبته الأولى الموسيقى، قدّم ألبومات منفردة، وجال بعروضه الموسيقية في أوروبا، خصوصًا إيطاليا، التي أصبحت وطنًا روحيًا له. ولم يتخلَّ عن فرقة Player، بل أعاد إحياءها باسم جديد بعد نزاع قانوني مع أحد الأعضاء المؤسسين، وواصل مشواره كفنان شامل يغني، يعزف، يؤلف، وينتج.
لم يكن غريبًا على رون موس أن يبحث عن هدوء بعد كل هذا الصخب؛ فاختار أن يستقر لفترات طويلة في إقليم بوليا بجنوب إيطاليا، حيث يمتلك مزرعة وفندقًا صغيرًا يحملان بصمته الفنية، هناك بين الزيتون والكروم، يعيش حياة ريفية بسيطة مع زوجته الحالية ديفين ديفاسكيز، ملكة الجمال السابقة، التي تزوّجها عام 2009، ويشاركان سويًا في مشاريع تجارية خيرية، مثل إطلاق منتجات غذائية صحية ورون أب لابنتين من زواجه الأول من الممثلة شاري شاتوك ، ويبدو أن الأبوة هي الدور الذي يتقنه بنفس حرارة التمثيل والموسيقى.
رون موس لا يمثل فقط نجمًا تلفزيونيًا، بل هو نموذج لفنان متعدّد المواهب عاش في مفترق طرق بين الفن والموسيقى، بين الشهرة والعزلة، بين أمريكا وأوروبا. وهو اليوم، في الثالثة والسبعين من عمره، لا يزال يعمل وينتج ويغنّي، مؤمنًا بأن الفن لا يتقيد بالعمر أو الوسيط.
قصته تذكرنا بأن الإبداع لا يُختصر في تخصص واحد، وأن الفنان الحقيقي يمكن أن يعيش أكثر من حياة في حياة واحدة.
وللقصة بقية ....
Tags:
مواقف وآراء