| عالم المكتبات | مكتبات في الذاكرة |
![]() |
غرفة المطالعة بمكتبة لندن، تصوير فيليب فايل
تحقيق: ريم عبد القادر
![]() |
توماس كارلايل |
كانت مكتبات الاستعارة منتشرة فقط في كل من ليدز، ومانشستر، وليفربول، ونورويتش، ولم يكُن قانون المكتبات العامة قد خرج للنور، ولم يكن حينها لدى عشاق الكتب أى بصيص من الأمل لمثل هذه الفكرة أصلاً، ولذلك عندما أُجبِرَ كارلايل على العمل في غرفة القراءة القديمة بالمكتبة البريطانية، كان دائم التشتت عن دراسته بسبب الضجيج المحيط به، بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن أبداً من إيجاد الكتب التي يريدها، ولهذا قرر إنشاء مكتبة للاستعارة خاصة به.
بدأ كارلايل بحشد الدعم الشعبي عام ١٨٤١ عن طريق إلقاء خطاب حماسي في حانة فرايمايسون بحديقة كوفنت (حالياً قاعة كوفنت)، والذي اقترح فيه أن بناء مكتبة هو من أعظم الأشياء التي يستطيع المرء فعلها، وكالثمرة النامية، تم جمع المال الكافي بحلول شهر مايو من نفسِ العام لفتح أبواب المكتبة لعامة الناس.
![]() |
سجل عضوية تشارلز داروين
أبرز الكتاب والأعمال
لقد حظيت المكتبة ببضع أعضاء مؤسسين من المشاهير مثل تشارلز داروين ووليم ثاكري، وأصبح الأمير ألبرت نصيراً بعد التبرع ب ٥٠ يورو.
وقد ولدت الكثير من الأعمال العظيمة هناك كرواية "قصة مدينتين" حيث قام كارليل بشحن حمولة من الكتب عن الثورة الفرنسية لمساعدة ديكنز على كتابتها، والتحق برام ستوكر بفترة وجيزة قبل كتابة "دراكولا". منذ ذلك الحين يتوافد الكتّاب والشخصيات العامة عليها، وعلى سبيل المثال لا الحصر جورج إليوت، وتوماس ستيرنز إليوت، وآرثر كونان دويل، وإدوارد مورجان فورستر، وإدوارد إلغار، وهارولد بينتر، وأنتونيا سوزان بايات، وتستمر قائمة حضور المشاهير إلى يومنا هذا من سايمون شاما إلى أنتونيا فريزر ، وكلير تومالين إلى جيرمي أيرونز.
![]() |
واجهة المكتبة، تصوير جيمس تاي
مبنى المكتبة
لا تكمن روعة هذا المكان فقط في تاريخها العريق، ولكن في المبنى العتيق الذي يحتضن سبع متاهات، أو ممرات والتى لا يخطر أبداً على بال أى أحد أن واجهة المبنى الضيقة في ميدان القديس جيمس تؤدي إلى متاهة مكونة من أكثر من ١٧ ميلاً من أرفف الكتب، فالواجهة لها سمات خاصة، حيث حاول المهندسون المعماريون جعلها تبدو أقدم وأوسع مما هي عليه عن طريق إخفائها خلف مبنى يسبقها تاريخياً.
ولأنه لا يتم التخلص من أو إلقاء أي كتب من المكتبة، فأن مشكلة المساحة لأستقبال الجديد من الإصدارات دائما موجودة، مما يؤدي إلى نفاد المساحة كل بضعة عقود، ولكن استطاعت إدارة المكتبة حتى الآن أن تتوسع إلى المبان المجاورة لها.
![]() |
المكتبة قُصِفَت بقنبلة ألمانية عام ١٩٤٤
لقد كانت أكبر خسارة في فبراير ١٩٤٤ عندما أصابت المكتبة قنبلة ألمانية دمرت ١٦٠٠٠ كتاباً عن الدين والسيرة الذاتية، وسببت أيضاً أضراراً في خمس طوابق مليئة بصفوف من الكتب، فى ذلك الوقت هرعت أمينة المكتبة مذعورة ركضاً على السلالم من الطابق الخامس صارخة "لقد فقدنا ديننا" وبالفعل لقد دُمرت العديد من الكتب، ومن المفارقة أن عدداً كبيراً منها كان عن التاريخ الألماني الكنسي.
لا زال بإمكان الزائر إيجاد بعض من الكتب مغروس بها شظايا بداخلها حتى يومنا هذا، والنُبَهَاءُ يمكنهم ملاحظة شق على عنق تمثال توماس كارليل أطيحت من قاعدة التمثال عند الانفجار وعثر على رأسه المقطوع جنود أمريكيين أثناء تنظيفهم للحطام بعد ذلك ببضعة أيام.
![]() |
كتاب تضرر إثر القنبلة |
معمارياً، تعتبر المكتبة جوهرة وسط المبان، حيث إنها مليئة ببوابات غريبة ومساحات غامضة، من ضمنها أرفف الكتب المشهورة التي يبلغ طولها ١٠,٦ أمتار وتدعم أربع طوابق من الشباك الحديدية أمريكية الصنع، في الحقيقة هى تعتبر معبد للتعلم.
![]() |
أمثلة على نظام التصنيف الذي أنشأه تشارلز هاغبرغ رايت. تصوير كريستوفر سايمون سكايز |
لقد تم ترتيب الكتب من خلال نظام تصنيف موضوعي خاص تم تصميمه من قبل كبير المصنفيين تشارلز هاجبرج رايت، أمين المكتبة من عام 1893 إلى عام 1940. وذلك النظام يخلق بعض المقاربات الرائعة -فيضع كتب الجنون بجوار نزل المحكمة، الحمقى بجانب كرة القدم، وهناك أقسام كبيرة عن خدم المنازل، والجلد، واستخراج الجثث، ورعاية الجمال، في الواقع إنها جنة للتصفح واكتشافات الصدفة.
![]() |
هناك مجموعة كبيرة من اللافتات في المكتبة، تصوير جيمس تاي |
تسود المكان الكثير من اللافتات الغامضة، تحذيرات من عام١٩٣٠ بإطفاء الأنوار لإبقاء سعر فواتير الكهرباء منخفض؛ أصابع تشير إلى الطريق إلى التاريخ، تحذيرات من غارات القنابل، المكاتب مخبأة في زوايا سرية، يوجد هناك أكثر من مليون كتاب متاح للاستعارة، وتتراوح تواريخهم من عام ١٧٠٠ حتى يومنا هذا.
![]() |
إحدى كتب برام ستوكر في المجموعة |
هناك العديد من الموضوعات الاستثنائية التي تغذي الخيال، وتحث على البحث بأكثر الطرق غير المتوقعة، وأحياناً قد تُصادف أجزاء من التاريخ متغلغلة داخل بعض الكتب - التي تبرعت بها الأميرة ماري في عام ١٩٥٣، وكتب من مجموعة برام ستوكر، وتبرعات من إدوارد مورجان فورستر، ولوحات كتب من داف كوبر.
![]() |
أنجيل كينج جيمس ١٦١١ونسخة من "أصل الأنواع" |
بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الكتب يعود تاريخها إلى عام ١٥٠٠، وتتضمن بعض الأحجار الكريمة الرائعة -النسخة المعتمدة للكتاب المقدس (كينج جيمس) عام ١٦١١، الطبعة الأولى من كتاب داروين "أصل الأنواع"، الصحيفة الرابعة لشكسبير، أعمال كيلمسكوت تشوسر، وكتاب عن حياة هنري الثامن الذي يرجع لعام ١٥٢١.
أما المفاجأة الأكبر تكمن بين صفوف الكتب التي تم تجميعها منذ عام ١٩١٠.. كما تظهر في أجزاء أخرى من المكتبة مزيجًا بين المعاصر والتقليدي: كغرفتي الفن والإضاءة الحائزتان على جائزة «ريبا» من قبل المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين.
في قلب مكتبة لندن تقف كنيسة واسعة شامخة منذ عام ١٨٤١ تقوم بإعارة كتب رائعة لمن يهتم بالقراءة .. وبذلك تحولت نوبة غضب كارلايل لعدم قدرته للحصول على كتب يستمتع بقرآتها، إلى شيء ساحر يتوافد عليه الناس من كل الأنحاء.