مكتبة الفاتيكان ذاكرة للتاريخ

| عالم المكتبات | مكتبات في الذاكرة |



تحقيق: ريم عبد القادر


هذا العام يمر العام الخمسمائة وسبعون على تأسيس مكتبة الفاتيكان، والتى تضم لآلاف من الكتب والمخطوطات التاريخية المميزة والتي لا يوجد لها مثيل في أى مكان آخر، حيث تأُسّست المكتبة رسمياً عام ١٤٥١ على يد توماسو بارينتوتشيلي (البابا نيقولا الخامس) على الرغم من أنها أقدم من ذلك بكثير، وهذا ما شجع عالم المكتبات الاحتفال بهذه المناسبة لما تمثله مكتبة الفاتيكان من أهمية لحفظها تراث الانسانية من شتى بقاع العالم.



وتكتسب المكتبة شهرتها وجازبيتها من سريتها الشديدة، حيث أنه من غير المسموح دخول المكتبة والولوج إلى محتوياتها إلا الباحثين المحترفين، بعد أن يتقدموا بطلب عبر الانترنت لإثبات مؤهلاتهم وموضوع البحث، هذه السرية لم تزد فقط الاهتمام العام بالمكتبة، بل خلقت جو من الشائعات ونظريات المؤامرة عن محتوى تلك الأرشيفات.

ولعل الفيلم الشهير الذي أنتج عام ٢٠٠٩ (ملائكة وشياطين) بطولة توم هانكس والمقتبس عن رواية  دان براون أشعل تلك النار، حيث تناول إحدى تلك النظريات.


في سعيه لإنشاء مكتبة للفاتيكان من أجل إعادة مكانة روما كمقصداً للعلماء،

قرر عاشق الكتب البابا نيقولا الخامس عام ١٤٥١ تأسيس مكتبة عامة بالفاتيكان، فجمع نيقولا ٣٥٠ مخطوطة يونانية، ولاتينية، وعبرية ورثها من أسلافه، بالإضافة إلى مجموعته الخاصة ومقتنياته الشاملة، من ضمنهم مخطوطات من المكتبة القسطنطينية.



 ولكى يقوم بزيادة مجموعته قرر توظيف علماء إيطاليين وبيزنطيين لترجمة الأدب اليوناني الكلاسيكي إلى اللاتينية، وقد كان البابا نيقولا واسع المعرفة وحريصاً على جمع وإنقاذ العديد من الأعمال والكتابات اليونانية التي عثر عليها خلال أسفاره أو تلك التى حصل عليها من الآخرين، حتى أنه حرص على إدراج الكلاسيكيات الوثنية أيضاً، وبحلول عام ١٤٥٥، نمت المجموعة إلى ١٢٠٠ كتاب، من بينها ٤٠٠ كتاب باللغة اليونانية، وذلك في العام الذى توفى فيه البابا نيقولا الخامس.



في عام ١٤٧٥ افتتح البابا سيكتوس الرابع خليفة البابا نيقولا الخامس المكتبة رسمياً، وخلال بابويته، تم إجراء عمليات فهرسة للكتب والمخطوطات المتاحة في المكتبة، فتم تقسيمها إلى مجالات اللاهوت، والفلسفة، والأدب الفني، وتم حساب عدد المخطوطات بشكلها النهائى في ذلك الوقت ليصل إلى ٣٥٠٠ مخطوطة في عام ١٤٧٥، وذلك وفقاً للقائمة التي أصدرها أمين المكتبة بارتولوميو بلاتينا، وهى ما تعتبر أكبر مجموعة كتب في العالم الغربي فى ذلك الوقت.



وفي أثناء بابوية البابا سيكستوس الخامس كلف المهندس المعماري الإيطالي دومينيكو فونتانا ببناء مبنى جديد للمكتبة عام ١٤٧١، والذي لا يزال يستخدم اليوم،أما البابا يوليوس الثاني فقد أمر بتوسيع المبنى حوالي عام ١٥٠٣، والتى عرفت بعد ذلك باسم مكتبة الفاتيكان.


في عام ١٧٥٦، استخدم بياجيو كونسيرفر، المسئول عن الحفاظ على المخطوطات القديمة بالمكتبة، آلة اخترعها لفتح أول برديات عرفت بأسم برديات هرقل، والتى استغرقت منه تلك العملية شهوراً.


وفى عام ١٨٠٩ اعتقل نابليون بونابرت البابا بيوس السابع ونقل محتويات المكتبة إلى باريس، وتم إرجاع المحتويات بعد ذلك في عام ١٨١٧، بعد ثلاث سنوات من هزيمة نابليون، وفى خلال فترة الإصلاح الكنسى التى مرت على أوربا، كان الولوج إلى مجموعات المكتبة محدوداً بعد إدخال فهرس للكتب المحظورة، وتم تقييد وصول العلماء إلى المكتبة، خاصة العلماء البروتستانت، ولكن تم رفع هذه القيود خلال القرن السابع عشر، وأعاد البابا ليو الثالث عشر فتح المكتبة رسميا للعلماء في عام ١٨٨٣، وبحلول عام ١٩٩٢، كان لدى المكتبة ما يقرب من ٢ مليون عنصر مفهرس.


تتكون المكتبة من ٥٣ ميلا من الرفوف، تحمل ٣٥ ألف مجلد و١٢  قرناً من الوثائق، ومع ذلك لم تتوقف مكتبة الفاتيكان قط عن جمع الكتب والمخطوطات والوثائق من أي نوع لعدة قرون، لذلك يمكن اعتبارها أحد أكبر المكتبات في العالم، والتى يمكن أن تجد أي شيء تبحث عنه، أما حالياً، فتحتوى المكتبة على أكثر من مليون وعاء ما بين كتب ومخطوطات، ولكن أكثرهم شهرة والتى يمكن لمكتبة الفاتيكان أن تتباهى بها والتى تعتبر أكثر مخطوطة فاتيكانية شهيرة، ألا وهي  Codex Vaticanus Graecus وهى أقدم مخطوطة للكتاب المقدس تم العثور عليها مكتوبة على 759 ورقة وتم تأريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وهذه المكتبة لا تلتزم بجمع الكتب أو المخطوطات فقط، بل تشمل ما يقرب من الـ 20000 من الأعمال الفنية من أي نوع و3000000 من القطع النقدية التاريخية.



كانت تقع المكتبة سابقاً في الطابق الأرضي من قصر الفاتيكان الرئيسي، وحصلت على مبنى خاص بها، وظل هذا البناء على حاله منذ ذلك الحين، حيث يقع داخل ساحة بلفيدير، في المنطقة الشمالية من قصر الفاتيكان، وهو مزين بالكامل بلوحات جدارية رائعة، أنتجها فنانون مثل الفنان الإيطالي أندريا ليلي، أما في الطابق الثاني من هذا المبنى، فلأولئك المحظوظين بما فيه الكفاية للوصول إلى هناك، يمكنهم الاستمتاع بصالون سيتينو الرائع الذي لا يزال يعرض أكبر لوحة جدارية في العالم.


ونظرا لمجموعة الكتب الثمينة التي تأويها المكتبة، فإنها تتيح الوصول إلى عدد قليل جداً من الناس، حيث يتم السماح بالدخول إلى الباحثين المحترفين، وأساتذة الجامعات، وطلاب الدكتوراه، وطلاب الدراسات العليا بعد الموافقة على طلب الدخول المقدم عبر الانترنت.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة