مش كلام جرايد (١) : القراءة أولاً

| عالم المكتبات | مواقف وآراء |

مكتبة Guangzhou


كتب: نادر حبيب

هل  تأخرالوقت؟ هل يمكن أن نلحق وأن ننقذ أطفالنا ونعيد لهم رشدهم ورشدنا؟ لقد تمكنت منا كل أنواع الشاشات وجعلتنا لا نستطيع أن نميز ما بين الصالح والطالح. الكل لا يقرأ ولا يتعلم والجميع مشغول بتلك التفاهات السهلة التى لا يمكن أن تأخذ من الشخص سوى لحظات وتدخلنا في حالة مثل حالات الإدمان النشوة والفرحة للحظات، ولكن بعد أن يمر الوقت تكتشف أنك لم تستفد منه شيئا سوى مساهمتك لمزيد من علامات الاعجاب، وزيادة لعدد المشاهدات، ولكن المحتوى وكما يقول الأمريكان فالمحصلة Big Zero‭.‬

في‭ ‬كل‭ ‬المحاضرات‭ ‬التى‭ ‬دخلتها‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬سؤال‭ ‬أسأله‭ ‬لطلبة‭ ‬إعلام‭ ‬بحكم‭ ‬المهنة‭ ‬ماذا‭ ‬تقرأون‭ ‬من‭ ‬أخبار؟‭ ‬ومن‭ ‬أين‭ ‬تستقون‭ ‬معلوماتكم؟‭ ‬فتكون‭ ‬الاجابة‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نتابع‭ ‬مصدر‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬نقرأ‭ ‬اية‭ ‬أخبار،‭ ‬فأقف‭ ‬متعجباً‭ ‬كثيراً‭ ‬صحفيو‭ ‬وإعلاميو‭ ‬الغد‭ ‬لا‭ ‬يقرأون،‭ ‬إلا‭ ‬قلة‭ ‬قليلة‭ ‬جدا‭ ‬تستحي‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬أتهامهم‭ ‬وسط‭ ‬أصدقائهم‭ ‬بأنهم‭ ‬موضة‭ ‬قديمة‭.‬

بالطبع‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬أكتشف‭ ‬أن‭ ‬الطلبة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقرأون‭ ‬الجرائد‭ ‬والمجلات‭ ‬ولا‭ ‬يعرفون‭ ‬عنها‭ ‬شيئا‭ ! ‬وتعجبتُ‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬الاخبار‭ ‬التى‭ ‬يتابعونها‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬تلك‭ ‬القصاصات‭ ‬التى‭ ‬تظهر‭ ‬أمامهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬عن‭ ‬اهتمامات‭ ‬تلك‭ ‬الدائرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التى‭ ‬يحيطون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بها‭.‬

إلى‭ ‬متى‭ ‬سنترك‭ ‬هذا‭ ‬الشباب‭ ‬وأبناؤنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬المتخلفة؟‭ ‬

بمتابعتي‭ ‬لأخبار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬تجد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقنعنا‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭ ‬المتقدم‭ ‬والشرق‭ ‬البعيد‭ ‬المتطور‭ ‬بأندثار‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬فكرة‭ ‬القراءة‭ ‬أساسا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحجج‭ ‬التي‭ ‬تتعلق‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬الطباعة،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬والتي‭ ‬يهمها‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬وثقافته‭ ‬وتطوره‭ ‬وهم على يقين ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬المتعلم‭ ‬المثقف‭ ‬له‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الأبتكار‭ ‬وتطوير‭ ‬وتنمية‭ ‬مجتمعه‭ ‬دون‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬المتخلفة‭ ‬التى‭ ‬يريدون‭ ‬منا‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬فيها،‭ ‬لقد‭ ‬شغلونا‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬والاختراعات‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬الأتصال‭ ‬الوهمية‭ ‬التى‭ ‬أصبحت‭ ‬تتملكنا‭ ‬كالنداهة‭ ‬بسحرها‭ ‬وصوتها‭ ‬وشاشاتها‭ ‬المفعمة‭ ‬بالحيوية،‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬أحتفظت‭ ‬هى‭ ‬بعادة‭ ‬القراءة‭ ‬التقليدية.

‭ ‬فالمتابعون‭ ‬يعلمون‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬يهتم‭ ‬بالقراءة‭ ‬لأبنائه‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬صغير‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬كبروا‭ ‬لسن‭ ‬المدرسة‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تكونت‭ ‬لديهم‭ ‬عادة‭ ‬القراءة‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬الأكثر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬فهم‭ ‬يساعدونهم‭ ‬على‭ ‬إعطائهم‭ ‬الفرصة‭ ‬ليعبروا‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالقلم‭ ‬والورقة‭ ‬ليكونوا‭ ‬هم‭ ‬مؤلفي‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد ..‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فهم‭ ‬يدربونهم‭ ‬على‭ ‬التأليف‭ ‬مثلما‭ ‬نفعل‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬أبنائنا‭ ‬على‭ ‬لعبة‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬فبدل‭ ‬أن‭ ‬نشجعهم‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬والرياضة‭ ‬أهتممنا‭ ‬بالمظاهر‭ ‬وسرعة‭ ‬جني‭ ‬الأموال‭ ‬فتركنا‭ ‬العلم‭ ‬والثقافة‭ ‬لنحلم‭ ‬بكأس‭ ‬العالم‭ ‬وفرصة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نشأة‭ ‬لاعب‭ ‬أو‭ ‬ممثل‭ ‬أو‭ ‬مهرج‭ ‬يجني‭ ‬أموال‭ ‬طائلة‭ ‬فى‭ ‬مستقبله،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬بعيب‭ ‬ولكن‭ ‬لاعب‭ ‬أو‭ ‬ممثل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مهرج‭ ‬مثقف‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جاهل‭ ‬يقدم‭ ‬لا‭ ‬شئ‭ ‬لمجتمعه‭.‬

في‭ ‬الصين‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬أعتمدت‭ ‬على‭ ‬الهندسة‭ ‬العكسية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬كل‭ ‬شئ‭ ‬لنا،‭ ‬حتى‭ ‬أحلامنا،‭ ‬لازالت‭ ‬تعمل‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬القراءة‭ ‬التقليدية‭ ‬ففي‭ ‬مقاطعة ‭ ‬Guangzhouتم تجديد مكتبتها العامة فى عام ٢٠١٣ والتى تقع على مساحة ١٠٠ ألف متر مربع وتوفر الفرصة لأكثر من ٤ آلاف مقعد و٥٠٠ جهاز كمبيوتر للزوار، والأهم أنها تحتوي على أكثر من ٨٤٣٣ مليون كتاب في جميع مختلف المجالات ولجميع مختلف الأعمار وإلى اليوم فأن نسبة التردد على المكتبة عالية جدا، الطريف أنه وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يفخر الزائرون بألتقاط الصور مع المكتبة ويكتبون "هذا ليس بمول لشراء السلع والترفيه ولكنه مكتبة عامة، مخصصة كل أدوارها للقراءة فقط" .. حقيقي يا لها من متعة!



الأهم أنه لازالت بعض دول في أوروبا، وأمريكا وروسيا والصين والهند تصدر العديد من الجرائد ذات الصفحات الكثيرة التي تلبي أحتياجات القراء في كل زمان ومكان، ولازال هناك القارئ القادر على إستيعاب كل تلك المنتجات الثقافية الراقية التي ترفع من الانسان وقيمته بل وتعطيه كل الأفكار وتشحذ إلهامه وآماله للمستقبل ...

القراءة سر تقدم البشرية وأكثرها متعة تلك المكتوبة على ورق ...
فلتحاول صديقى القارئ معاودة القراءة مرة أخرى ...
ستجد العجب ...

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة