مش كلام جرايد (٢) : عفريت عم عبده

 | عالم المكتبات | مواقف وآراء |


كتب: نادر حبيب

بصراحة لم أفكر في الكتابة بخصوص عفريت عم عبده في الحلقة الثانية من سلسلة "مش كلام جرايد" ولكن في الحقيقة ما شجعني هو فيلم يحمل عنوان المقال بطولة المبدع إسماعيل يس الذي أضحكنا معه سنين طويلة هو وأسرة الفيلم، وهم من أهم وأكبر وألمع نجوم الزمن الجميل منهم من لم يتعدى وجوده على الشاشة سوى دقائق أو ثوانى معدودة ولكن كان له بصمته فى الفيلم.

ليس الغرض هنا هو أن أحرق لكم الفيلم الذي أعتقد أن كثيرين لم يشاهدوه من قبل مثلي، فلن أحكي قصته ولكن سأترك لكم حرية مشاهدة الفيلم من أوله لآخره، ولكن ما جذبني لكي أكتب عن عم عبده أحد أبطال الفيلم الذى قام بدوره الفنان المبدع الراحل السيد بدير بشخصيته المميزة والتي يلعب في الفيلم دور صاحب مطبعة وجريدة (أخبار بكره)، ومع أول ظهور له تكتشف أنه يجلس في غرفة بمفرده داخل المطبعة الخاصة به يحاول تحضير أرواح العفاريت وكما يقول لأسماعيل يس الذى أفسد عليه خلوته، فهو ظل ثمانية عشر ساعة يحاول تحضير روح العفريت الذي سيساعده على أن يكشف عن المستقبل، فهو يريد أن يكون صاحب السبق في نشره لأخبار حقيقية تحدث في اليوم التالي .. وبالطبع لم يستطع عبده أن يجند ذلك العفريت الذى تمنى أن يعمل لديه ولكن بدلا منه قرر أن يعين  (أحمد) الذي لعب دوره الفنان شكرى سرحان كرئيس للتحرير، و(فزدق) الذي لعب دوره الفنان إسماعيل يس كمدير تحرير حركة الجريدة وعندما سأله فزدق عن عدد النسخ التى يبيعها من الجريدة قال له ٢٥٠ نسخة اسبوعيا وإنشاء الله بمجرد أن يوظف العفريت سيكون لها باع طويل في كل أنحاء العالم .. وعندما سأله عن المرتب الذى سيتقاضاه قال له أنه لن يعطيه شئ الآن ولكن بمجرد أن يبيع نسخ أكثر سيعطيه كل ما يريد وعليه أن يتحمل متاعب العمل الصحفي .. وتدور الأحداث ويُقتل عم عبده صاحب المطبعة، فيعود في سياق الفيلم كعفريت ليبلغ أحمد وفزدق بأخبار بكره وبذلك يضمن أن جريدته سوف تحقق النجاح الباهر الذي أراد أن يتحقق وهو حي يرزق.

في الحقيقة هذا هو الهدف الأساسي من أي جريدة مطبوعة أو أي خبر يُنشر على المواقع الالكترونية بلغة أيامنا هذه، "أخبار بكره" دائما ما كان هناك رغبة حقيقية من الأنسان أن يعرف كل الأسرار وماذا سيحدث وكيف سيستعد لمثل هذه المتغيرات التي سيقابلها كل يوم.

هذا الفيلم ذكرني أيضاً بنفس الفكرة التى أبدع فيها الفنان عبد المنعم إبراهيم في فيلم "سر طاقية الإخفاء" عندما أستطاع بأمتلاكه موهبة الإختفاء أن يحقق نصرا كبيرا بتحقيق أكبر تحقيق صحفي مع ملك الشيكولاته، أراكم تتذكرون هذا الفيلم العبقري.

كل هذه بالطبع قصص سينما، لا يمكن أن ننساها ولكن في نفس الوقت هي قصص خيالية والصحفي الماهر الضليع في مهنته هو الذي يستطيع أن يجد الفكرة والسبق الصحفي الذي يحقق له النجاح والشهرة، بالطبع هذا الصحفي يجب أن يتميز بالعديد من المهارات المهنية والشخصية التي تميزه عن باقي أفراد المجتمع.

من الغريب أننا نجد اليوم أن كل من هب ودب كما يقول المثل أصبح كاتب ومعد لبرنامج وممثل ومؤلف ومخرج، كل هذا بالطبع ساعدت فيه تلك التكنولوجيا المبهرة التى بين أيدينا، أنا لست ضدها بكل تأكيد ولكن هناك كارثة حقيقية تم تصديرها لنا ونحن كما يقول فريد شوقى فى أحد أفلامه "شربتها يا كروديا"، نعم نحن كشعب لديه الكثير من المشاكل وأولها مشكلة الجهل، لا أقصد الجهل بالقراءة والكتابة، ولكن الجهل بالثقافة، والأثنين مختلفين تماماً وهنا ليس مجال الحديث عنهما، يمكن أن أتركه لحلقة أخرى .. ولكن ما أقصده هنا تم تصدير فكرة صحافة المواطن على مدى عقد كامل أو عقدين، ففرح كل الناس بأنهم سيكونون مثل المذيعين والمذيعات بل الأهم أنهم أعتقدوا أن في داخل كل منهم الراحل حسنين هيكل، فبدأنا نرى كل دقيقة فيديو جديد وحوار مع شخصيات ليس لها أى عطاء للمجتمع سوى كيفية عمل صنية المحشي أو كيفية وضع أدوات التجميل، وأشياء أخرى غريبة، ولكن هذا لا يمنع بالطبع أن هناك بعض الأمثلة التى تعتبر فلتات في خضم هذا التهريج والمستنقع الذي لا يعلم إلا الله كيف ومتى سنخرج منه.

هل هذا ما يريده الناس؟ أم أن هناك من لم يقم بأداء وظيفته فترك الساحة خاوية للعب السفهاء! كل عام يتخرج من الجامعات المصرية الآلاف في مختلف تخصصات الإعلام وبالطبع لا يجدون مكان للعمل أو التدريب الحقيقي، لأن الأمور أصبحت أكثر صعوبة، والقوانين أصبحت أكثر تعقيدا لإنشاء جرائد ومواقع إلكترونية تكون تحت إشراف جهة مثل نقابة الصحفيين، التى يكون لها الحق في عقاب أي صحفي يخرج عن أخلاقيات العمل المتعارف عليها في كل أنحاء العالم، فنحن لن نخترع الذرة.

عندما قرر القارئ أن يترك قراءة الجريدة ويكتفي بمواقع التواصل الاجتماعي كانت هذه هي الطامة الكبرى، لأنه ترك نفسه لأمواج البحر العاتية ترفعه في بعض الأحيان وترتطم به على الصخور في أحيان أخرى .. أنتبه عزيزي القارئ، فالجريدة هي الثقافة المتنوعة ودفة المركب التي ستوجهك لشاطئ الأمان، ولمعرفة كل ما يدور في مدينتك وبلدك، وإن لم تتابعها أنت الخسران الأكيد.

سوف أسألك عزيزي القارئ أينما كنت سؤال ومن خلاله ستعرف ما إذا كنت تدرك ما يدور في محيط دولتك التي تعيش فيها أم لا، هل عرفت خبر كان قد نشر منذ عدة أسابيع على الصفحات الأولى من بعض الجرائد المصرية أن مصلحة الضرائب قررت أن توقف التعامل مع العديد من الشركات وتوجه لها المخالفة إذ ما لم تلتزم بأستخدام الفاتورة الإلكترونية؟

أنا لا أنتظر منك الإجابة، ولكن هذا السؤال سوف يجعلك تفكر كم من الأخبار لم تمر عليك؟

قِس على ذلك القوانين التي تُنشَر واللوائح التي قد تسبب لك في بعض الاحيان أزمة أو مخالفة، ولكن عندها لا تقل إني لم أعرف ولم يقل لى أو يخبرنى أحد.

فالصحفي المنوط به العمل في الجرائد قد أتى لك "بأخبار بكره" لكن أنت من لم تقرأها..

وللحديث بقية .....

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة