بقلم: نادر حبيب
صدر هذا الشهر كتاب جديد عن كتابى للطباعة والنشر، بعنوان "عالم خاص" وهى مجموعة قصصية مكونة من ١٣ قصة قصيرة في ١١٤ صفحة، تدور كلها في فلك الجوانب الانسانية والنفس البشرية وما يصيبها من خلل خلال رحلتها في تلك الحياة التى نعيشها وكيف يمكن أن نتغلب عليها ونعود لننعم بحياة سوية وممتعة لنشعر بسعادة وفرح بالرغم من الصعوبات التى نمر بها.
كاتبة المجموعة القصصية هى ماريانا برسوم، ويعتبر هذا العمل هو العمل الأول لها في عالم النشر إلا أن كان لها العديد من التجارب الناجحة في كتابة القصص على وسائل التواصل الإجتماعى وخاصة على منصة الYoutube فقد كانت تنشر قصصها في شكل قصص مسموعة وبأصوات محترفة وبلغة سهلة وبسيطة ومنمقة مما جذب إليها العديد من المشاهدين والمتابعين.
ماريانا برسوم تخرجت من أكاديمية السادات للعلوم الادارية قسم إدارة بنوك عام ٢٠٠٠، وأستكملت دراستها في فرنسا بدراستها للأقتصاد والادارة، ولانها كانت مهتمة بالعمل التطوعى منذ صغرها وخاصة بحقوق الاطفال والشباب وتمكينهم في المجتمع، فهى تعمل الآن في منظمة غير هادفة للربح تساعدها في الوصول إلى أكثر الفئات أحتياجاً وإنتشاراً في المجتمع.
لقد بدأت فى الكتابة عام ٢٠٠٨ عندما تعرفت على برنامج تابع للأمم المتحده أسمه صرخة SCREAM وهى أختصار لـ Supporting Children rights through education, art and media أى دعم حقوق الطفل من خلال التعليم والفن والاعلام، وكان أحد محاور هذا البرنامج تتكلم عن التعبير عما بداخل الانسان بالكتابة الابداعية، ولانها كانت تعمل في ذلك الوقت بالتعاون مع هذا البرنامج فكانت تحضر وتستمع مع الحاضرين لهذه المحاضرات التى يحاضر فيها مجموعة متميزة من أساتذة كلية الآداب والإعلام، مما أهلها أنها تكتشف موهبتها في الكتابة، وما أكد لها ذلك، أنه وفي أثناء دراستها الدبلومة باللغة الفرنسية والتى بدأت معها عدد من المحاولات في كتابة الشعر باللغة الفرنسية والتى أثنت عليها معلمتها في ذلك الوقت.
تقول برسوم أنها خلال تلك المحاضرات التى حضرتها في برنامج صرخة تذكرت تلك القصاصات والاوراق التى قد سبق وقامت بكتابتها عن ذكرياتها والأحداث التى تمر عليها في حياتها، إلا أن جاء عام التحول الحقيقي في حياتها، ففي عام ٢٠١٦ أصيبت والدتها بوعكة صحية توفت بعدها، مما أصاب برسوم بحزن شديد وخاصة أنها كانت متعلقة بها، وكانت تريد أن تخرج تلك الطاقة السلبية التي أثرت على حياتها، فبدأت بكتابة أول مجموعة من القصص وخاصة تلك التي تحكي فيها عن علاقتها وأحداثها مع والدتها، وبالرغم من أن هذه الاحداث حقيقية إلا أنها لم تذكر الأسماء الحقيقية لتكون هذه القصص عبرة للآخرين دون الدخول في تفاصيل حياة بشر يعيشون بيننا اليوم، فكانت قصة "هى والوسادة" من أوائل القصص التى دارت بينها وبين والدتها.
تضيف برسوم "عندما بدأت في كتابة القصص قررت أنه يجب أن تكون مختلفة شكلاً وموضوعاً فقد عملت على ألا تكون كتاباتى باللغة العربية العادية التى نتحدث بها ولكن كنت أريد أن تكون باللغة العربية الفصحى، وهذه لم تكن من أحدى مهاراتى، فلجأت إلى متخصصين في اللغة العربية، العاملين بإحدى دور النشر وهم أحمد حمدون وحازم عبد العظيم، وأحببت أن أذكرهم لأن لهم فضل كبير في ظهور هذه القصص بهذا الشكل الراقى."
تؤكد برسوم أنه في البداية لم يكن هدفها نشر هذه القصص بالشكل التقليدي في صورة كتاب، ولكنها فكرت أن تسجلها بالصوت، فهى تريد أن يسمعها الجمهور لتصل إلى أكبر عدد منهم في أسرع وقت وبشكل يفضلونه ويسمعونها في أى مكان وفى أى وقت وتصل أيضاً لذوى الهمم أصحاب الاعاقة البصرية بالتحديد، وكذلك لتصل لأكبر عدد من الجمهور الذى يقود سيارته ويريد أن يستمع لقصص أثناء القيادة مثل تلك التي تقصها "أبلة فضيلة" في الزمن الجميل، فخرج إلى النور مشروع سندرتى علي منصة الyoutube .. وتقول برسوم " لقد أخترت أسم سندرتى على أساس أن أى أنسان دائما ما يضع أشياءه القديمة والعزيزة على قلبه في السندرة".
![]() |
https://bit.ly/sandarty |
وتضيف قائلة "إن السندرة تنقلنى مباشرة لقصة "كومة قش" وكيف أن الانسان يعتمد على أشياء كثيرة من حوله ليشعر بالآمان، فسندرتى كانت أفتتاحية الفكرة، وبها بدأت أسجل القصة بالصوت بمجموعة مميزة من المتخصصين، ولم أسجل بصوتى نهائياً، وحقيقى كانوا مبهرين جداً، وكان الاتفاق أننا سننشر فقط ١٣ قصة ولكن لحبهم فيما يقدمونه، قدمنا ١٥ قصة على الانترنت بعض منهم نشر في عالم خاص مجموعتى القصصية الاولى، وهناك مجموعة ستنشر في المجموعة القصصية الثانية والتى نستعد لنشرها قريباً.
في "عالم خاص" تم أختيار القصص التى لها بعد نفسى وتناقش فكرة صدمات الطفولة التى تكبر مع الانسان وتجاربه الحياتية، ولكن المجموعة القصصية الثانية ستكون حقيقة مفاجأة لأنها ستركز أكثر على الرحلات التى قامت بها برسوم والثقافات التى تعرضت لها والشخصيات التى أثرت على شخصياتها.
أبطال قصص "عالم خاص" ليسوا كلهم برسوم ولكن بعض حكاياتها واقعية حدثت لها بالفعل، وهناك جزء خيالى بطبيعة الحال، ولكن المؤكد أنه لا توجد قصة تخلو من تجربة حياتية عاشتها وتعاملت معها ووصلت بها في النهاية لحالة من الطمأنينة وخاصة في الرسائل الموجودة في نهاية كل قصة، فمن خلال عملها على مدار السنوات الماضية في مجال خدمة المجتمع في كثير من المواقع المختلفة، خلق لديها الفرصة للتعرض لقصص وحكايات لأناس حقيقيين أضافت إليها نوعاً من التشويق للقصص المعروضة في "عالم خاص".
من خلال قصص عالم خاص كانت هناك مجموعة من الرسائل التى عملت برسوم بتقديمها لكى تتصالح النفس البشرية مع نفسها وتستطيع أن تكمل رحلة حياتها، ففي قصة "تانجو" كانت الرسالة الواضحة للقارئ هو البحث عن شريك حياة نفهمه ويفهمنا ونستوعبه حتى نستطيع أن نكمل حياتنا معه، وحتى إن لم نجده فهذا ليس معناه أن حياتنا ستتوقف، ومع نهاية القصة كان هناك تساؤل واضح جداً "هل خذلها أم خذلت نفسها؟، وهذا بالطبع يعلمنا أن تكون توقعاتنا عن الشريك في محلها وأن حكمنا على الأمور يجب أن يكون حكم موزون وليس ناتج عن أي تصرف يصدر من جانب الشريك فنتسرع ونحكم عليه بالسوء.
وفي قصة "نظارة ريبان" دعت برسوم إلى أن يكون للإنسان بصيرة حقيقية وليس مجرد بصر ليرى الأشياء بوضوح، فبالرغم من أن هناك نظارات كثيرة نلبسها ونعتقد أنها هى التى نرى بها، إلا أنه في الحقيقة الانسان يرى فقط ما يريد رؤيته، فحكمنا على الامور يعتمد في الاساس على الامور والمواقف المختلفة التى نمر بها وبالتالى لا نراها على حقيقتها، وبالرغم من أنه يمكن أن تكون النظارة غالية الثمن، إلا أن هذا لا يمنع أننا قد لا نريد أن نرى الحقيقة الجلية أمام كل البشر، وفي اللحظة التى أكتشفت فيها بطلة القصة أن صديقتها لم تكن هى صديقتها، وصُدمت فيها، وتعرفت على حقيقة الانسانة التى أمامها، وتمنى الهداية لها، فليس للشخص أن يغير بصيرة شخص أو نظرته للحياة بسهولة، ولكن طلب الهداية له ليرى الحقيقة هى غاية الانسان لصديقه.
وفي قصة "كومة قش" تؤكد برسوم أنه في بعض الأحيان قد تكون الكراكيب مصدراً للأمان في حياتنا، فعلى سبيل المثال إذا ما أعطانا شخص نحبه هدية زجاجة عطر، وبعد أستخدامها نقرر أن نحتفظ بالزجاجة لانها تذكرنا بالشخص، وتشعرنا بالآمان، وهذا بالطبع ليس شعور حقيقى، فالسؤال الحقيقى الذى يمكن أن يضعه الانسان أمام عينيه، هو هل لو الانسان تجرد من كل هذه الماديات التى يمتلكها هل سيشعر بعدم الآمان؟ فلو الاجابة بنعم فهذا معناه أنه هنا تكمن المشكلة ويعتمد على كومة من القش، ويجب على الأنسان هنا أن يتخلص من هذا الاحساس، بترك هذه الاشياء.
تقول برسوم " في الحقيقة أتذكر صديق لى علمنى لعبة عمر الاشياء، والتى أستطيع بها أن أتحقق من مدى أرتباطى وأعتمادى على الأشياء، هذه اللعبة يمكن لأى أحد أن يلعبها بمفرده، فيفتح خزانته التى يحتفظ بها بذكرياته، وإذا كان قد مر على تملكه لأى من هذه التذكارات خمس سنوات فيتخلص منها ويعطيها لشخص آخر، فإذا أستطاع عمل ذلك فهذا جيد، فتخلص الانسان من تلك الاشياء يخلصه من عبء كبير على قلبه و مشاعره.
![]() |
مع مؤلفة عالم خاص |
في قصة "مصنع غزل ونسيج" تكلمت برسوم عن المرأة وكيف ينظر لها المجتمع ويحكم عليها، وفي نفس الوقت نفس تلك المرأة هي فى حاجة للعمل والخروج لذلك المجتمع فتصدم في مشاعرها وتفشل في عملها لأنها لم تتدرب ولم تتأهل في التعامل مع الآخر مما أدى بها إلى كوارث حقيقية، و ترك لها أثر سلبى في حياتها .. فمنذ الصغر وبطلة القصة لا تعرف كيف تختار في لعبتها وعندما كبرت لم تستطع أن تختار جيدا طريقها وتختار شخصيات خطأ لكى تتعلم معهم وتعطيهم مشاعرها، وهذا لأنها لا ترى الحقيقة كما يراها الجميع فترى أي رجل يتعامل معها كحبيب وهم في الحقيقة ليسوا سوى عابرون تقاطعت طرقهم معها.
في قصة "مهندس معمارى" تحاول برسوم أن تشبه الانسان بالمبنى أو العقار الذى يتعرض عبر الزمن إلى الكثير من الأضرار، وهو ما يتطلب من الشخص أن يعمل على نفسه لكى يرمم ما فُقد منه أو تدمر، فالعقار قد يتعرض للتصدع أوالازالة إذ لم يتم تجديده، وفي رحلة العلاج والشفاء يمر الانسان بكثير من الألم في رحلته للعودة للحياة الطبيعية، نتيجة المفاهيم المغلوطة، التى أثرت على مشاعر الإنسان وجعلته لا يشعر بالسعادة، فدور الإنسان هنا أن يبحث في أعماقه ويجدد ما في داخله ليعود أنسان سعيد قادر على مواجهة صعوبة الحياة بصدر رحب.
تقول برسوم "نتيجة لأنى مستمعة جيدة للمذيعة الامريكية أوبرا وينفرى، التى دائماً ما تتكلم عن لحظات الاها وهى تلك اللحظة التى يدرك فيها الأنسان حقيقة الأشياء كتبت قصة "لحظات الأها" وأتمنى أن يصل كتابى في يوم من الايام ليدها لأنها من ألهمتنى وأثرت على في كثير من قرارات حياتى، وحتى حماستى تجاه الكتابة كان لها فضل كبير على."
![]() |
المذيعة الامريكية أوبرا وينفرى |
في هذه القصة نجد على المسافر في القطار ومقابلته للكاتبة ريهام حلمى مؤلفة كتاب 'سكن' الذى تتكلم فيه عن العابرين في حياتنا، وكان علي في ذلك الوقت هربان من قصة أليمة، فهو ولد لأسرة فقيرة وكان يرى أن السبيل الوحيد لكى يمر من أزمته عن طريق التعليم الذى سيخرجه خارج دائرة الفقر وترك حياته وذكرياته وأهله وركز في التعليم ونسى أنه في عزلة حقيقية، فبالرغم من أن التعليم هو أفضل شئ ونور الحياة إلا أنه لا يجب أن نتحصل على التعليم بمعزل عن الآخرين، وعندما نام في القطار حلم بصديقه يقول له أنت لديك مشكلة في طريقة تفكيرك ليستيقظ ويجد أمامه ريهام حلمى بجانبه تكلمه عن العابرين، وأن هناك بشر يمكن أن يعطونا رسائل صغيرة، هذه الرسائل قد تغير في حياتنا تماماً.
عندما أطلقت برسوم "عالم خاص" كعنوان على مجموعة قصصها وقصتها الاخيرة بالتحديد كانت تريد لنا أن نأخذ في الاعتبار أنه مع اختلاف شخصيات أبطالها وأختلاف ظروفهم يعيشون جميعاً في فقاعة كبيرة جداً وكل منهم في عالمه الخاص ولا يدركون شئ خارجه، هذا العالم عبارة عن أفكار ووساوس قهرية وصراعات نفسية كثيرة، فكل القصص متشابهة في بدايتها ولكن في نهاية القصة تجدهم قد خرجوا من عالمهم الخاص إلى العالم الحقيقى بنفس سوية بمجرد أكتشافهم الحقيقة وقدرتهم على التعامل مع ذلك العالم الجديد عليهم وبدأوا ينظروا للمستقبل بنظرة تفاؤلية أكثر.
المجموعة القصصية متوفرة في كل من مكتبات مكتبة البلد - Diwan - Virgin - Clip Stationary House