حبيب سلامة .. رائد من رواد النهضة المكتبية العربية الحديثة

| عالم المكتبات | حبيب سلامة |



بقلم‭: ‬سماء‭ ‬المحاسنى‭ ‬–‭ ‬دمشق


فى‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ (‬أيلول‭) ‬من‭ ‬عام‭ ‬1969‭ ‬فقدنا‭ ‬أساذنا‭ ‬الكبير‭ ‬ورائدنا‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬المكتبات‭ ‬وفنها،‭ ‬فقيدنا‭ ‬المرحوم‭ ‬الأستاذ‭ ‬حبيب‭ ‬سلامة‭.‬


أنه‭ ‬ليشرفنى‭ ‬شرفاً‭ ‬عظيماً‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬بقلمى‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الأنسان‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬دائب‭ ‬الحركة،‭ ‬موفور‭ ‬النشاط،‭ ‬متفانياً‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬الميدان‭ ‬الذى‭ ‬أختاره‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬المكتبات‭. ‬وكنت‭ ‬أثناء‭ ‬دراستى‭ ‬الجامعية‭ ‬فى‭ ‬قسم‭ ‬الوثائق‭ ‬والمكتبات‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬التخرج‭ ‬والقيام‭ ‬بأمانة‭ ‬قسم‭ ‬المطبوعات‭ ‬فى‭ ‬دار‭ ‬الكتب‭ ‬الوطنية‭ ‬الظاهرية‭ ‬بدمشق،‭ ‬أعتبر‭ ‬الفقيد‭ ‬المثل‭ ‬الأعلى‭ ‬فى‭ ‬الدأب‭ ‬والجهد‭ ‬للنهوض‭ ‬بالمكتبات‭ ‬العربية‭ ‬التى‭ ‬أخذت‭ ‬اليوم‭ ‬تحذو‭ ‬حذو‭ ‬شقيقاتها‭ ‬المكتبات‭ ‬فى‭ ‬سائر‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬سواء‭ ‬العربى‭ ‬أم‭ ‬الغربى‭.‬


لقد‭ ‬تقلب‭ ‬الفقيد‭ ‬فى‭ ‬مناصب‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬غمله‭ ‬الأخير‭ ‬كمدير‭ ‬للمكتبات‭ ‬الزراعية‭ ‬فى‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومنها‭ ‬رئاسته‭ ‬لقسم‭ ‬التوثيق‭ ‬ومتابعة‭ ‬البحوث،‭ ‬ولا‭ ‬غرو‭ ‬أنه‭ ‬قدم‭ ‬خدمات‭ ‬كثيرة‭ ‬جليلة‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭.‬


أما‭ ‬مجلته‭ ‬“عالم‭ ‬المكتبات”‭ ‬فأنها‭ ‬المجلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المثابرة‭ ‬فى‭ ‬ميدان‭ ‬المكتبات،‭ ‬والتى‭ ‬ساعدت‭ ‬فى‭ ‬تقريب‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬العربية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأنظمة‭ ‬تصنيفها،‭ ‬والتى‭ ‬ساعدت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تساعد‭ ‬فى‭ ‬نعريف‭ ‬القراء‭ ‬المكتبيين‭ ‬منهم‭ ‬وغير‭ ‬المكتبيين‭ ‬بموضوعات‭ ‬فريدة‭ ‬متنوعة‭ ‬مثمرة‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬المكتبات،‭ ‬وبذلك‭ ‬أعطى‭ ‬حبيب‭ ‬سلامة‭ ‬للمكتبة‭ ‬العربية‭ ‬مرجعاً‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أقيم‭ ‬المراجع‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬المكتبات،‭ ‬مرجعاًمتطوراً‭ ‬مستمراً،‭ ‬يمكن‭ ‬بواسطته‭ ‬متابعة‭ ‬أحدث‭ ‬التطورات‭ ‬والتغيرات‭ ‬بالنسبة‭ ‬لجميع‭ ‬المجالات‭ ‬فى‭ ‬المكتبات‭.‬


ألم‭ ‬تطلعنا‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭ ‬وتعرفنا‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬الكبرى‭ ‬منهاوالصغرى،‭ ‬كل‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬وفوائد‭ ‬للباحثين‭ ‬والمطالعين‭.‬


لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬الجليلة‭ ‬التى‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬أستاذنا‭ ‬الفقيد‭ ‬الراحل،‭ ‬لهى‭ ‬أعمال‭ ‬أسهمت‭ ‬فى‭ ‬أنعاش‭ ‬الحركة‭ ‬المكتبية‭ ‬فى‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬التى‭ ‬تعتبر‭ ‬فى‭ ‬طليعة‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬المتطورة‭ ‬فى‭ ‬مكتباتها،‭ ‬وأعطت‭ ‬المثل‭ ‬الرائع‭ ‬لباقى‭ ‬أنحاء‭ ‬وطننا‭ ‬العربى‭ ‬كى‭ ‬يقوم‭ ‬العاملون‭ ‬فى‭ ‬مكتباته‭ ‬بأسهام‭ ‬مماثل‭ ‬لتنشيط‭ ‬الحركة‭ ‬المكتبية‭ ‬ومواصلة‭ ‬الجهد‭ ‬لكى‭ ‬تقوم‭ ‬مكتباتنا‭ ‬العامة‭ ‬والجامعية‭ ‬وغيرها‭ ‬بأعمالها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬ولتحقيق‭ ‬أحسن‭ ‬غاية‭.‬


أننى‭ ‬أذكر‭ ‬فقيدنا‭ ‬–‭ ‬ويحز‭ ‬فى‭ ‬نفسى‭ ‬فقده‭ ‬–‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬العزاء‭ ‬فى‭ ‬متابعة‭ ‬تلامذته‭ ‬وأبنائه،‭ ‬لأصدار‭ ‬مجلة‭ (‬عالم‭ ‬المكتبات‭) ‬التى‭ ‬أرجو‭ ‬لها‭ ‬دوام‭ ‬النجاح‭ ‬والأزدهار‭.‬


أما‭ ‬آثار‭ ‬الفقيد‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬المكتبات‭ ‬فهى‭ ‬غزيرة‭  ‬ومحتشدة‭ ‬بالفائدة،‭ ‬منها‭ ‬المؤلف‭ ‬ومنها‭ ‬المترجم‭ ‬وكلاهما‭ ‬قيم‭ ‬ونافع،‭ ‬ومن‭ ‬كتبه‭ ‬المترجمة‭ ‬عنالأنكليزية‭ ‬كتاب‭ (‬فن‭ ‬أختيار‭ ‬الكتب‭ ‬للمكتبات‭) ‬وكتاب‭ (‬المكتبة‭ ‬العامة‭ ‬وأثرها‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬الشعب‭) ‬وقد‭ ‬وردنى‭ ‬أخيراً‭ ‬كتابه‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الذى‭ ‬ترجمهعن‭ ‬الأنكليزية‭ ‬بلغة‭ ‬جيدة‭ ‬ممتازة،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬الآنسة‭ ‬أرنستين‭ ‬روز،‭ ‬ويبحث‭ ‬فى‭ ‬ماهية‭ ‬المكتبة‭ ‬العامة‭ ‬وأثرها‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬وفى‭ ‬التعليم‭ ‬وفى‭ ‬حياة‭ ‬الشعب‭ ‬بأكمله‭.‬


وفى‭ ‬نهاية‭ ‬الكتاب‭ ‬فكرة‭ ‬عن‭ ‬التطور‭ ‬التاريخى‭ ‬للمكتبة‭ ‬العامة،‭ ‬ويمكن‭ ‬الاستعانة‭ ‬بهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لعمل‭ ‬دراسة‭ ‬مشابهة‭ ‬لمكتبتنا‭ ‬العربية‭ ‬ودراسة‭ ‬تطورها‭ ‬وأثرها‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬جمهورنا،‭ ‬ومدىإقباله‭ ‬على‭ ‬الأنتفاع‭ ‬بها‭ ‬واستيعابه‭ ‬لقيمتها‭ ‬وفضلها‭.‬


وأنتقاء‭ ‬أستاذنا‭ ‬حبيب‭ ‬سلامة‭ ‬لكتبه‭ ‬المترجمة‭ ‬أنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنتقاء‭ ‬سليم‭ ‬ذكى‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬ترجم‭ ‬لنا‭ ‬أهم‭ ‬وأفضل‭ ‬ما‭ ‬ألفه‭ ‬الغربيون،‭ ‬وأغنى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بمصادر‭ ‬مفيدة‭ ‬متنوعة،‭ ‬أما‭ ‬مؤلفاته‭ ‬فهى‭ ‬تعد‭ ‬ذخراً‭ ‬للمكتبة‭ ‬العربية‭ ‬فقد‭ ‬أعطانا‭ ‬فيها‭ ‬خلاصة‭ ‬وثمرة‭ ‬جهده‭ ‬وكفاحه‭.‬


أن‭ ‬رجلاً‭ ‬عظيماً‭ ‬مثل‭ ‬فقيد‭ ‬العرب‭ ‬الأستاذ‭ ‬حبيب‭ ‬سلامة‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬موته‭ ‬حدثاً‭ ‬مغيباً‭ ‬لذكر‭ ‬فضائله،‭ ‬اذ‭ ‬أنه‭ ‬بموته‭ ‬عاش‭ ‬وبغيابه‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬طلع‭ ‬فيما‭ ‬وراء‭ ‬الوجود‭ ‬مشعاً‭ ‬بثقافته‭ ‬المكتبية‭ ‬غير‭ ‬حافل‭ ‬بعالم‭ ‬الأموات‭ ‬لأن‭ ‬عالم‭ ‬المكتبات‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الحياة‭.‬


المصدر‭: ‬مجلة‭ ‬عالم‭ ‬المكتبات،‭ ‬العدد‭ (‬5،‭ ‬6‭) ‬السنة‭ ‬الحادية‭ ‬عشر‭ ‬1969‭. ‬–‭ ‬بمناسبة‭ ‬تأبين‭ ‬حبيب‭ ‬سلامة‭.‬

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة