| عالم المكتبات | حبيب سلامة |
أن من يستعرض تاريخ النشاط البيبليوجرافى فى الجمهورية العربية المتحدة منذ منتصف هذا القرن حتى يومنا هذا، بحثاً عن الاداة أو الادوات البيبليوجرافية التى يمكن أن تمثل بصدق سوق الإنتاج الفكرى من الكتب العربية، سيصادفه فى أول بحثه ” السجل الثقافى ” الذى بدأ صدوره عام 1949، ويهدف، كما جاء فى مقدمته، إلى: ” تعريف أبناء مصر والمهتمين بشئونها من غير أبنائها من الباحثين وغيرهم المكانة التى بلغتها البلاد فى ميدان الثقافة العامة، وأعداد البيانات والوثائق التى تحتاج إليها الحكومة والهيئات العلمية والمثقفون فى البلاد”. وقد صدرت منه ستة مجلدات حتى سنة 1955، ويغطى كل مجلد سنة، والسنوات هى من 1948 حتى 1953. ومنذ أول 1956 عدل عن عنوان “السجل الثقافى” إلى عنوان “النشرة الثقافية”، التى أخذت تصدر كل ثلاثة شهور حتى سنة 1958، ثم عاد السجل الثقافى إلى الصدور مرة ثانية، فصدر منه سنة 1962 المجلد الذى يغطى سنة 1959، ولم يصدر للآن غيره.
أهم ما فى السجل، منذ صدوره، القسم الخاص بالكتب، وهو جزآن: كتب مؤلفة، وكتب مترجمة، وكلاهما مقسم إلى أبواب، ويتناول كل موضوعا واسعاً، يدرج فيه كتبه فى ترتيب هجائى بعناوينها. ويخلو السجل تماماً من آية كشافات. أما المعلومات الببليوجرافية فتتحرك فى نطاق المؤلف والعنوان وبيانات النشر والتوريق، بالإضافة إلى تلخيص لمحتويات الكتاب فى أحيان كثيرة.
والاداة الثانية هى “النشرة المصرية للمطبوعات” وهى ببليوجرافية جارية تصدر عن دار الكتب، وتحصر المصنفات التى صدرت فى ج.ع.م. وأودعت فى دار الكتب فى فترة معينة. بدأ أصدارها سنة 1955، وكانت تصدر فصلياً حتى آخر ديسمبر 1959. وصدر لها سنة 1962 مجلد تجميعى يغطى إيداع الفترة من أغسطس سنة 1955 حتى ديسمبر 1960. وصدر فى سنة 1963 مجلد يغطى سنتى 1961 و 1962. ومنذ ذلك التاريخ أخذت أخذت تصدر سنوياً، ثم يصدر لها تجميع يغطى خمس سنوات، كان آخرها تجميع 1961 – 1965. وتلاه مجلدان، يغطى أولهما سنتى 1966 و1967، والثانى سنة 1968. وقد شهدت النشرة منذ أول عام 1969 تغيراً جذرياً إذ تغير عنوانها إلى : “نشرة الإيداع الشهرية”، وأخذت تصدر شهرياً، على أن يصدر لها تجميع سنوى.
وتسير فى ترتيبها وفق تصنيف ديوى العشرى المعدل، مع كشافات بالعناوين والمؤلفين ورؤس الموضوعات. وتعطى بيانات ببليوجرافية كاملة بما فيها الثمن إذا كان موجوداً على الكتاب، وكذلك رقم طلب الكتاب فى دار الكتب، وقد زيد عليها رقم تصنيف ديوى العشرى، وذلك فى إصدارات عام 1969.
وفى سنة 1963، وفى العدد الأول فقط من مجلة “المكتبة العربية”، نجد تسجيلاً لكتب عام 1962، جاء فى ترتيب هجائى واحد برءوس الموضوعات والمؤلفين والعناوين، مع الأحتفاظ ببيانات الكتاب الكاملة تحت مدخل المؤلف. ولم تتكرر بعد ذلك التجربة.
وفى يونيه عام 1964 بدأ صدور مجلة “الكتاب العربى” شهرياً، وقد درجت منذ أول أعدادها على أن تحوى فى آخرها بضعة صفحات تسجل ما ورد إلى المجلة من الكتب الحديثة. وقد توقفت المجلة فترة عادت بعدها إلى الظهور فصلياً فى أكتوبر 1967، وبها قسم يبين ما صدر فى ج.ع.م من كتب فى ثلاثة شهور، وتتجمع فى عدد خاص آخر السنة. وقد سارت المجلة فى ترتيبها وفق تصنيف ديوى العشرى المعدل، وجعلت مداخلها بالعنوان، كما فعلت نشرة دار الكتب، ووفرت كشافاً للمؤلفين، وهيكلاً للتصنيف المتبع.
***
لم يستطع “السجل الثقافى” أن يقوم بدور البيبليوجرافية التى تمثل إنتاج الكتب أصدق تمثيل، ولم تمثل نشرة دار الكتب إلا ما أودع بها من كتب سواء ما صدر فى سنة الإيداع أو ما صدر قبلها ولم يودع. ولم تكن قائمة “المكتبة العربية” سوى تجربة لم تتكرر. وكان مجئ مجلة “الكتاب العربى” متأخراً.
ولا يعنى هذا أنعدام البيبليوجرافية التى تضطلع بمهمة حصر وتسجيل الإنتاج الفكرى المصرى من الكتب، فهذه مهمة مجلة “عالم المكتبات”، المركز الثقافى لبحوث الكتاب العربى (تأسست سنة 1958) حين أصدرت “الكتاب العربى فى عام” أول قائمة بيبليوجرافية بالإنتاج الفكرى للجمهورية العربية المتحدة. وكان سوق الكتاب العربى يخلو تماماً من مثل هذه القائمة وقت أن صدرت لأول مرة فى أغسطس 1961.
وضع أسسها المكتبى الرائد، طيب الذكر، الأستاذ حبيب سلامة، وكان بذلك أول من أحس وشعر بضرورة الحاجة إليها، ولم يرد أن تقتصر على خدمة الكتاب المصرى، بل كان يطمع بها أن تمتد بخدماتها إلى الكتاب العربى فى الوطن العربى بأسره، إلا أن الأجل لم يسعفه أن يرى شيئاً من آماله العريضة يقفز إلى دنيا الواقع الملموس. وحسبه أن رأى بلداناً عربية أخذت تتحرك وتصدر بيبليوجرافيتها القومية. كما كان يأمل أيضاً أن يصدر “الكتاب العربى فى عام” وقد تضمنت تعريفاً موجزاً بكل كتاب، ولكنه أكتفى بما كان ينشر فى “عالم المكتبات” من تعريف ونقد لمختارات من الكتب العربية فى باب “على موائد الفكر”.
بدأت “عالم المكتبات” عام 1961 بأصدار أولى هذه القوائم وغطت بها انتاج عام 1960، وتوالت الأعداد، وغطى كل عاماً، وبيان هذه الأعوام حتى الآن كالآتى: 1960، 1961، 1962، 1963، 1964، 1965، 1967.
ويلاحظ أن هناك ثغرة فى تسلسل سنوات التغطية ويتمثل فى عدد 1966، الذى كان مفروضاً صدوره عام 1967، بيد أن ظروف النكسة حالت دون ذلك، فأستعيض عنه بعدد خاص، حوت دفتاه حصراً شاملاً لكتب القانون الصادرة بالعربية فى ج.ع.م. خلال الفترة من 1958 وحتى 1967. وبذلك أصبحت “المكتبة القانونية فى عشر سنوات” بترتيبها الفريد الثمرة التالية من غرس البيبليوجرافي الراحل.
لقد رسم لكل عدد حدود تغطيته، فهو لا يغطى الكتب المدرسية، ولا نشرات الدعاية، ولا المطبوعات الحكومية الدورية ولا المجلات ولا الرسالات التى تقل عن 32 صفحة، وهو الرقم الذى قررته الهيئات الدولية حد أدنى للمطبوع الذى يجب أن يدرج فى القوائم البيبليوجرافية القومية.
كذلك وضعت خطوات العمل لأخراج كل عدد، بحيث يصل الحصر درجة تقترب الشمول والتمام، وأولى هذه الخطوات أن يقوم “قسم متابعة الإنتاج” بمجلة “عالم المكتبات” بحصر أولى لأنتاج كل ناشر من واقع القوائم التى تصدرها المجلة تباعاً فى أعدادها خلال العام. ويتم بعد ذلك تحقيق وأستكمال انتاج كل ناشر على حدة لدى الناشر ذاته ومن واقع كتبه.
وبأنتهاء عملية التحقيق تبدأ عملية التبويب بعمل بطاقة لكل كتاب تشمل معلومات بيبليوجرافية كاملة من مؤلف وعنوان وطبعة، أن وجدت غير الأولى، وكان النشر والناشر وعدد الصفحات وثمن الكتاب بالقرش المصرى، أما سنة النشر فلا تذكر، إذ أن العدد يغطى عادة إنتاج سنة معينة ويبينها على غلافه.
ويخضع “الكتاب العربى فى عام” فى ترتيبه لتصنيف ديوى العشرى، مع تعديله بما يتلاءم مع أحتياجات الباحث العربى. ولم يقف الأمر عند حد التعديل، بل تعداه إلى إضافة الكثير من رءوس الموضوعات التى تعكس أهم معالم حياتنا الفكرية والقومية، وكذلك التقسيمات الجديدة فى أبواب السياسة والأقتصاد والتاريخ والأدب. وقد صدر بكشاف هجائى مفصل برءوس الموضوعات المستخدمة.
وثمة ملحوظة نسوقها نحو إنتاج “الدار القومية” إذ أن القائمة درجت فى اصدارتيها الأولى والثانية على عزله فى باب مستقل، وذلك بتجميع كتب السلاسل تحت كل سلسلة، ثم عدل عن هذا العزل إلى توزيع هذه الكتب فى أماكنها من التصنيف مع بقية الكتب الأخرى. وقد كان العزل بسبب انصباغ كتب السلسلة الواحدة فى البداية بصبغة واحدة تدل على أسم السلسلة الواحدة فيما بعد، مما حتم أستيعاب جسم القائمة لها.
وتهتم القائمة أهتماماً خاصاً بكتب الأطفال، فتفرد لها قسماً خاصاً، يرتب كالآتى: قصص الأطفال والناشئة، قصص قومية وبطولات، تراجم المشاهير، قصص دينى، قصص المعلومات وكتب الحقائق، سياحة وبلدان، أناشيد أطفال.
لقد رتبت مداخل كل رتبة داخل القائمة هجائياً بأسماء المؤلفين، وأعطيت الكتب أرقاماً مسلسلة تستخدم للاحالة إليها من الكشافات التى ألحقت بالقائمة، وهى 1- بأسماء المؤلفين 2- بأسماء المترجمين 3- بأسماء المحققين والشراح 4- بأسماء مؤلفى ومترجمى قصص الأطفال.
أما الكشاف الخامس فهو من أهم ما يميز “الكتاب العربى فى عام” ولم يسبق لببليوجرافية عربية أن أحتوته، وهو دليل بأسماء الناشرين وباعة الكتب المصريين، يتضمن أسم الناشر وعنوانه ورقم تليفونه، وإذا كان لأحد الناشرين أكثر من فرع أو مركز توزيع أو إدارة نص على ذلك.
لقد كانت هذه البيبليوجرافية الأساس الذى أعتمدت عليه كبرى الهيئات العلمية الدولية فى التعرف على الإنتاج الفكرى المصرى، كما أتخذتها كثير من المكتبات فى الغرب اداة أختيار للكتاب العربى، وتقديراً من وزارة الثقافة لهذا العمل الجليل قررت أن يكون عدد القائمة الصادر فى عام 1966 المطبوع الرسمى الذى يمثل انتاج ج.ع.م. بمعرض الكتاب العربى الثانى فى بيروت عام 1966.
أن “الكتاب العربى فى عام” أثر جليل تركته بصمات الببليوجرافى الراحل الكريم، على صفحات ثقافتنا وحياتنا الفكرية، أسهم به فى مجال خدمة الكتاب العربى والتعريف بع والاعلام عنه، وأوصل عن طريقه إلى الافراد فى الشرق والغرب صورة واضحة عما تنتجه الجمهورية العربية المتحدة من الكتب. هذا بالإضافة إلى سيل الدراسات الأصلية التى تعد الأولى من نوعها، التى أجريت على الكتاب المصرى. فقد اتخذ الحصر الببليوجرافى الذى تقدمه القائمة أساساً لدراسات وبحوث احصائية نشرت سنوياً وتتضمنت إحصاءات عن الكتاب العربى المصرى، والاتجاهات السائدة فى النشر، ومصادر النشر وتخصصاتها الانتاجية، ونسبة الكتب العربية المؤلفة إلى المترجمة، وأقتصاديات النشر ونصيب المؤلف والناشر، والكيان العام لصناعة النشر، وتيسير تداول الكتاب العربى.
لقد كانت هذه الدراسات الأولى من نوعها فى تاريخ الفكر العربى، وقد نقلتها الدوائر الثقافية الدولية مصححة أخطاء كثيرة فى ادلتها عن صناعة النشر عندنا.
فالى “الكتاب العربى فى عام” وإلى “عالم المكتبات”، بل إلى مبدعهما ومنشئهما وواضع أسس العمل فيهما – إلى الأستاذ حبيب سلامة تحية إجلال وتقدير فى مثواه الأخير.