| عالم المكتبات | قصاقيص |
عندما نشطت الحياة العلمية في عهد المماليك وزادت حركة إنشاء المدارس والكتاتيب، نشطت معها أهم أركان هذه النهضة العلمية وهي المكتبات، فبدون الكتب والمكتبات لا تستطيع المدارس أن تؤدى مهمتها، ولا يستطيع المتعلمون والمعلمون أن يواصلوا رسالتهم. لذلك لا عجب إذ شهد عصر المماليك نشاطاً منقطع النظير في التأليف من ناحية وفي جمع الكتب وإنشاء المكتبات والعناية بها من ناحية ثانية. فكان سلاطين المماليك هم أنفسهم أول من قدر أهمية الكتب فأحتفظوا في قلعة الجبل بخزانة كتب جليلة القدر، حوت مجموعة ضخمة من الكتب الدينية وغير الدينية، وقد ظلت هذه المكتبة عامرة بالكتب محتفظة بأهميتها، رغم الحريق الذى تعرضت له سنة ١٢٩٢ علي عهد السلطان الأشرف خليل بن قلاون.
أما مكتبات المدارس والجوامع في عصر المماليك فكانت علي درجة فائقة من الإعداد والغني. فإذا كان السلطان الظاهر بيبرس قد أنشأ المدرسة الظاهرية، فإن المراجع تشير إلى أنه ألحق بتلك المدرسة خزانة كتب جليلة تشتمل علي مجموعة ضخمة من المراجع في مختلف العلوم. وكذلك حرص السلطان المنصور قلاون على أن يزود مكتبة المدرسة المنصورية بالكثير من (كتب التفسير والحديث والفقه واللغة والطب والأدبيات ودواوين الشعراء) وكذلك المدرسة الناصرية التي أقامها السلطان الناصر محمد، إذ أنشأ بها (خزانة كتب جليلة).
ولم يقل سلاطين المماليك الجراكسة عناية بالكتب عن سلاطين دولة المماليك الأولى أو الأتراك، فنسمع عن خزائن الكتب العامرة التي ألحقها سلاطين الجراكسة مثل الظاهر برقوق والمؤيد شيخ والأشرف قايتباى والأشرف قانصوه الغورى بمدارسهم. هذا مع ملاحظة أن خزانات الكتب في عصر المماليك لم تلحق بالمدارس فحسب وإنما ألحقت أيضاً بالخانقاوات والجوامع، وذلك تحقيقاً وتعميماً للفائدة العلمية المرجوة. وفي جميع الحالات قام بالإشراف علي خزانة الكتب (خازن الكتب) ومهمته ترتيب الكتب وتنظيمها وحفظها وحبكها وترميمها بين حين وآخر، فضلاً عن إرشاد القراء إلى ما يلزمهم من مراجع. لذلك كان يختار لخزانة الكتب عادة فقيهاً أو عالماً يراعى فيه سمة العلم والأمانة.
وكانت عملية تغذية المكتبات بالكتب مستمرة، فبالإضافة إلى مجموعة الكتب التي يحبسها صاحب المدرسة علي خزانتها، أستمرت المكتبات تحصل علي جديد من الكتب إما عن طريق الهدايا والهبات وإما عن طريق النسخ وإما عن طريق الشراء. ولعل صعوبة نسخ الكتب والحصول عليها في ذلك العصر، هي التي تطلبت تحريم إعارة الكتب خارجياً تحريماً باتاً إلا في حالات نادرة خاصة. ومعنى ذلك أن الأستفادة من الكتب أقتصرت علي الإطلاع الداخلي وفق شروط خاصة تتضمن المحافظة علي الكتب وعدم إستهلاكها.
المصدر: العصر المماليكي في مصر والشام، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، ١٩٦٥. ص.ص ٣٣٣ – ٣٣٤.