عالم المكتبات | أضواء |
![]() |
مشهد من الاعلان الترويجي |
قلم: نادر حبيب
من حبى الشديد للقراءة والكتب والمكتبات وكل ما يتعلق بهذا المجال وجدت أمامي فيديو ترويجي نشر يوم ٢٩ نوفمبر الماضي على موقع التواصل الاجتماعي الFacebook وعلى الحساب الرسمي لمكتبات أبوظبي، التابعة لدائرة الثقافة، والذى تم الاعلان فيه عن إطلاق مبادرة "مكتبة 24/7"، حيث ستكون أبواب المكتبات مفتوحة للترحيب بجميع الطلاب والباحثين، على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، عبر جميع أفرعها.
وأكدوا في بيانهم أن هذه المبادرة قد صُممت للمساهمة في تكريس بيئة بحث واطلاع مرنة، وللاستفادة من هذه الخدمة يتعين على
الراغبين إصدار بطاقة دخول خاصة لدى مكتب الخدمة
الرئيسي في المكتبة خلال ساعات العمل، وسيتمكن المستفيدون الدخول للمكتبة
بعد ساعات العمل الرسمية شرط أن يكون عمر المستفيد 18 سنة فما فوق.
في الحقيقة دائما ما تبهرني أبو ظبى بمثل هذه المبادرات في شتى المجالات، ولكن هذه المبادرة بالتحديد كانت أكثر من رائعة في فكرتها وطريقة عرضها، وحتى الفيلم الترويجي لها كان يحمل الكثير من الافكار والمعاني التي نفتقدها في كثير من الدول العربية التي تسعى إلى التقدم، فبدون المعرفة والعلم والثقافة لن نستطيع أن نحقق أي تقدم على أي صعيد أو في أي مجال.
يدور الفيلم الترويجي عن إنسان تقليدي يتابع عمله وتتصل عليه أبنته الصغيرة لتطلب منه كتاب من المكتبة، وتضطره الظروف للانتهاء من عمله في وقت متأخر من الليل ليجد أن المكتبات الخاصة قد أغلقت أبوابها ولم يتبقى إلا المكتبة العامة الوحيدة التي لاتزال تعمل في منطقته، فيدخل ويختار الكتاب المناسب لأبنته ليعود للمنزل وتستقبله أبنته والفرحة على وجهها لعلمها أن والدها سيحقق لها طلبها ويأتي إليها بقصة جديدة ثم يجلسا معاً ليقرأ لها ويستمتعا معاً ويصنعا الذكريات الجميلة مع قصة ممتعة، في جو ملئ بالدفء والحب.
بعد مشاهدتي للإعلان الترويجي الذى سبق وأشرت إليه وجدتني أجلس أفكر في العديد من النقاط التي أحب أن أشارككم بها حباً في القراءة وتربية الأطفال. بالطبع الكثير من الناس تعمل لفترة وفترتين يتغيبوا فيها عن أبنائهم لفترات طويلة لا يعلمون شيء عن أحلامهم وآمالهم وطموحاتهم وما يحتاجون له، وهنا لا أقصد الطلبات المادية فقط ولكن من المهم أن نعرف طلباتهم المعنوية أيضاً، لنخلق جيل سوي يُقدِّر الحياة ويحبها، فيحب المجتمع ويحرص على قيمه وعاداته وتقاليده التي نفتقد الكثير منها اليوم. ولهذا أحببت ذلك المشهد الذى أستجاب فيه الوالد لأبنته حتى في وقت عمله من خلال المكالمة التليفونية، الشيء الرائع الذى لفت انتباهي وسعدت جدا به هو ذلك المشهد الذى عاد فيه الأب من عمله وحرصه على الاستجابة لطلب أبنته لكى يأتي بالقصة التي تريدها ويجلسا معاً في النهاية حتى بالرغم من تعبه وإرهاق العمل طوال اليوم ليقرأ معها القصة ويرسم البسمة على وجهها وينقش في ذاكرتها تلك اللحظات السعيدة التي تمر عليهم.
النقطة الثانية هنا وهى لا تقل أهمية عما سبقها وهى فكرة أن تفتح المكتبات العامة أبوابها 24/7 أي سبعة أيام على مدار الأربعة وعشرين ساعة طوال الأسبوع .. بالطبع هذه نقطة أكثر من رائعة وخاصة لمن هم في حاجة إلى المكتبة بشكل فعلي، ولا يسمح لهم الوقت طوال اليوم لظروف عملهم أن يتجهوا إلى المكتبة مثل الباحثين ومحبي القراءة وحتى من لديهم مشاكل أرق. لكن هل نستطيع أن نطبق مثل هذه المبادرة في مصر؟ بالطبع مثل هذه المبادرات تعتبر مكلفة جدا لبلد يعانى اقتصادها بشكل واضح في ظل انخفاض العملة المحلية أمام العملات الاجنبية، حيث أن مد فترات العمل ليلا سيتطلب توفير طاقة لإنارة المكتبة ليلاً، وكذلك فريق عمل سيطلب بكل تأكيد زيادة في المرتبات، هذا بخلاف مصروفات الصيانة، وهو ما لا نستطيع توفيره في الوقت الراهن وفي ظل الازمة الاقتصادية.
أرى بكل وضوح من يجلس خلف الشاشة ويقول لي أتُلقي علينا بسؤال وأنت تعرف إجابته؟ بالطبع هذه الاجابة هي الاجابة التقليدية المعروفة والتي أتوقعها بشكل صريح من أي مسئول. ولكن كما أشرت قبل ذلك بقليل أنهم يطلقون عليها في أبو ظبى "مبادرة" وهو ما نحتاجه فعليًا في مصر، نريد أفكار خارج الصندوق، أفكار تشجع على القراءة في أي وقت وفي أي مكان، اقتراح مسابقات وجوائز قيمة من دور النشر طوال العام، يجب أن يشعر المجتمع أن تلك المكتبات العامة هي خاصة به، وبأفراده المستفيدين منها. ففي إنجلترا منذ عدة سنوات كانت هناك مبادرات لأنقاذ المكتبة العامة في أحدى المدن لزيادة تكاليف إيجار المبنى الخاص بها، وكان يجب على المكتبة أن تنقل مقرها لمبنى آخر فخرجت مبادرة جمعت أهالي المدينة واصطفوا من دار المكتبة القديم إلى مقرها الجديد ونقلوا الكتب بشكل يدوي عن طريق أن يسلم كل فرد من يقف بجانبه مجموعة من الكتب وهكذا حتى تم الانتهاء من نقل كتب المكتبة بالكامل لينقذوها.
تكمن المشكلة هنا في مصر أن المجتمع لا يشعر أن المكتبة تخصه، وأنها خاصة بفئة معينة فقط وهذا بالطبع غير صحيح. فالمكتبات العامة مفتوحة أمام الجميع سواء كنت متخصص، عامل، موظف، مدير أو غفير، رجل أو سيدة .. فالكل في حاجة للقراءة من أجل تجديد الذهن، وتنوير العقل، واستشراق المستقبل. وبالطبع بعد كل تلك السنوات الثلاثون الماضية أو أكثر نجد أن هناك تجريف متعمد للعقول وخلق عداوة ما بين الانسان والكتاب أو أي محتوى مطبوع على الورق (سأجد من يعارضني مرة أخرى ويقول لي التقدم والتكنولوجيا والنسخ الالكترونية). بالطبع التقدم عظيم ولكن هذا لا يمنع أننا نستحق أن نتعلم ونمسك كتاب ونقلب وريقاته ونخلق صداقة لا يمكن أن يؤثر فيها الزمن، صديقٌ سيأخذنا معه في أي مكان نريد، وسيبهرنا بأماكن وقصص وحكايات لم نسمعها من قبل.
قد يكون نظام التعليم هو الذي خلق هذه العداوة ما بين الشباب والكتاب لأنه ببساطة يُجبر الشباب على المذاكرة من كتب عقيمة في طريقة تناولها للمادة العلمية، وكذلك إجبارهم علي الحفظ والتلقين، مع أن كل دول العالم تفتح المكتبات ليدخل إليها الشباب ويتعلم ويخرج بمحتوى علمي خاص به فيستطيع أن يعبر عن آرائه بفكر واع ودقيق.
لذلك نحن في حاجة من الدولة بشكل عام، و وزارة الثقافة بالخصوص، من عرض أفكار ومبادرات جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص مثل دور النشر والهيئات المحلية الثقافية والدولية لكي نعيد للكتاب رونقه ونعيد القارئ للمكتبة، ونعيد للمواطن شغفه بالقراءة في جريدة وكتاب، وتغيير نمط العمل في المكتبات العامة بالشكل التقليدي لطريقة أكثر حداثة وفاعلية. وهذا لن يتم إلا إذا تغير نمط العاملين في المكتبات من فكرة أنه موظف يعمل ليتحصل على راتبه أول كل شهر إلى شخص مبدع وعبقري في طريقة عمله وزيادة راتبه بشكل لائق مما يتسنى له تقديم أفكار واقتراحات تزيد من أعداد المشتركين في المكتبة العامة، ويكون كل مواطن حريص أن يشترك في المكتبة ويكون له بطاقة عضوية يتم تجديدها إلكترونيًا، وأن يشترك لكل أفراد أسرته كما هو حريص على استخراج بطاقة الرقم القومي. بالتأكيد لو وصلنا لهذه المرحلة سيكون لدينا جيل مميز بأخلاقه وعلمه وثقافته لن يكون لها حدود.
هنيئاً لأبوظبي بمبادرتهم الرائعة.
لمشاهدة الفيديو الترويجي للمبادرة.
Tags:
أضواء