رحلة أشهر عائلة في التاريخ


بقلم: نادر حبيب

كل عام في الاول من يونيو يحتفل الاقباط ومعهم العالم كله برحلة سجلها الكتاب المقدس والادبيات الشعبية المصرية بأكثر رحله هروب واطوالها في العالم، خوفا من بطش حاكم ظالم قتل اطفال بيت لحم خوفا من ان يكون الملك المنتظر حسب الشريعة اليهودية بين هؤلاء الاطفال، فيأخذ منه الحكم الارضي وينقلب على عرشه في يوم من الايام.

وبهذه المناسبة استطاع رحالة مصري أصيل، محب للعائلة المقدسة ووطنه مصر، ان يذهب في رحلة على دراجته الهوائية لتلك الاماكن التي زارتها العائلة المقدسة في رحلتها عبر وادي النيل  ــ  في رحلة استغرقت ثلاثة اعوام ــ قام هو بها على مدار عشرين يوماً متفرقة، ولكن الهدف منها كان تسجيل ومعرفه تلك الاماكن المقدسة للمصريين الاقباط والتي سجلتها وزارة الاثار والسياحة كمزار سياحي لرحله العائلة المقدسة.

مع قداسة البابا تواضروس الثانى في لقاء أشاد فيه قداسته بالكتاب والمجهود الذي بذله عمرو في رحلته ليسجل رحلة العائلة المقدسة

استطاع عمرو سليم تسجيل رحلته التي قام بها على مدار العديد من الشهور في كتابه الذي صدر حديثا عن دار اضاءات للنشر والتوزيع في ٧٨ صفحه، بشكل سهل وبسيط نقل فيه أهم الانطباعات لرحلته كمواطن مصري.

في مقدمه الكتاب بدا سليم يذكرنا سبب رحلة الهروب التي قامت بها العائلة المقدسة، وكيف ان الملاك ظهر ليوسف النجار ليخبره ان يهرب بالطفل الرضيع وامه الى مصر هربا من بطش الحاكم الظالم هيرودس الذي خاف على ملكه من الطفل الرضيع كما هرب اليها قديما نبي الله ادريس وابراهيم وعاش فيها يوسف وموسى، بدأت الرحلة من بيت لحم مرورا بغزة ومنها الى مدينه الفرما التي تم اكتشاف العديد من الاثار القبطية بها مثل الكنيسة الدائرية التي لا يوجد سوى اربع كنائس علي شكلها، حيث تعتبر الفارما نقطة الاستراحة في الطريق، من رحله طويله قبل الوصول الى تل باسطا.

يقع المزار الاثري التابع لمدينة الزقازيق على بعد حوالي 35 كيلو متر من مدينة بلبيس ويعتبر هذا المكان هو أولى محطات العائلة المقدسة في مصر، ومدينة تل بسطا هي مدينة أثرية فريدة تنتشر اطلالها على مساحة كبيرة من الارض، فقد ظلت هذه المدينة لفترة طويلة مدينة مقدسه بمعبدها واثارها ودورها في نشر الحكمة،  وبمجرد دخول هذا المكان ستلاحظ الكثير من الاحجار المكسورة التي يقال انها أصنام تحطمت عند رؤيه الطفل يسوع والعائلة المقدسة، ومن هذه الاحجار تمثال الملكة ميريت امون ابنه رمسيس الثاني المصنوع من الحجر الجيري والذي يعد أطول تمثال لملكة مصريه متوجة في التاريخ  وتم ترميمه لاحقا، ويضم المتحف على العديد من القطع الاثرية التي تعكس تاريخ المحافظة،  وسميت المدينة بهذا الاسم نسبه الى الاله باستت او القطة، وكان هذا المكان هو الذي استقرت فيه العائلة المقدسة لما يقرب من خمسة أشهر بداية من دخولهم مصر، ولأن اهل المدينة امتنعوا عن تقديم الماء لهم لانهم كانوا غرباء ونتيجة لتحطم تماثيل الملوك والآلهة المصرية القديمة، فلهذا قام الطفل يسوع بعمل معجزه بتفجير بئر ماء عزب أرتوت منه العائلة المقدسة.

كانت المحطة التالية هي كنيسة العذراء الاثرية بمسطرد والتي يطلق عليها المحمة، والتي تأسست في القرن الثاني الميلادي، وهذه الكنيسة تحتوي على مغارة وبئر ماء يقال ان القديسة العذراء مريم غسلت فيها ملابس الطفل يسوع واحمته، ومن هنا جاء اسم المحمة، ويعتقد ايضا أن شجرة البلسان  التي نبتت هناك يستخدم زيتها في صنع زيت الميرون المقدس، وقبل بناء الكنيسة كان هناك كهف يقال ان العائلة المقدسة اختبأت فيه ويعتقد انه كان جزءا من اطلال معبد قديم يعود إلى عهد رمسيس الثاني، وبنيت الكنيسة على الطراز البيزنطي وتميزت بالقباب العالية، وعند الدخول الى الكنيسة ترى كتابات اثرية باللغة القبطية على أبوابها الرئيسية ومذابح مخصصه للقديسة العذراء مريم ويوحنا المعمدان. لم تستقر العائلة المقدسة في مسطرد سوى خمسه أيام لكنها تركت أثرا خالدا، مرت الكنيسة بعدة مراحل في تجديدها، أخرها كان في عهد قداسه البابا شنودة الثالث، كذلك توجد بالكنيسة أيقونات تاريخية تبرز مشاهد مثل بشارة الميلاد ودخول العائلة المقدسة إلى مصر. في العهد العثماني عُرفت مسطرد باسم منيه سرد ثم تحول الاسم تدريجيا الى مسطرد.

ومن مسطرد توجهت العائلة المقدسة الى محافظه الغربية بمدينة سمنود وخاصة كنيسة السيدة العذراء والقديس أبانوب، وهناك استقرت في ذلك المكان لمده ١٧ يوما، وقد رحب اهل المدينة بهم حتى أن الجميع كان يتمنى ان تقيم العائلة المقدسة في منازله، وسميت الكنيسة باسم القديسة العذراء والشهيد أبانوب الذي وصل جسده الى الكنيسة في القرن الرابع ــ وأبانوب تعني ابا وتعني الاب ونوب تعني الذهب اي ابو الذهب ــ وفي الكنيسة ترى حامل ايقونات يرجع تاريخه الى عام ٣٠٠، وهو يتبع الكنيسة القديمة المندثره تحت الارض وانشأت الكنيسة الحالية على الطراز البيزنطي لها قبة مركزية وحولها بعض القباب الاخرى، وتعتمد على ثلاثة اروقة طويلة ممتدة من الغرب الى الشرق وكان الاوسط اكثرها اتساعاً والاروقة محملة على ثلاثة اعمدة رخامية، وفي خارج الصحن يوجد بئر عميقة تصل إلي ١٢ مترا، وقام القائمين بعمل وصلات ليستطيع الزائرين الشرب منه، كما يمكن ان ترى الماجور الذي اهداه اهل سمنود للقديسة العذراء كي تقوم بالعجن فيه، وترى أيضاً الأبواب الخشبية والتي تحمل طابعا خاصا في التصميم حيث كانت هذه الابواب تحمل مساميرا تحميها من الحرائق اما الباب الرئيسي فهو عباره عن بابين داخل بعضهما ويدخل الزوار منه، فعندما تدخل الكنيسة لابد من خفض الرأس رمزا للخضوع لله، وترى على الجدران الخارجيه صور الشهداء ال٨٠٠٠، وهو اكبر عدد من الشهداء استشهدوا في يوم واحد قام دقلديانوس الامبراطور الروماني الوثنى بقتلهم حيث تحولت شوارع سمنود الى برك من الدم السائل.

ويقول سليم، "وفي المحطة السادسة من محطات مسار العائلة المقدسة، كانت كنيسة سخا تستقبلنا كما استقبلت العائلة المقدسة فيها حوالي سبعه أيام، وتقتني الكنيسة حجر نبع منه ماء وطبعت عليه قدم السيد المسيح ولازال موجودا حتى الان ويعود بناء الكنيسة الى القرن الرابع الميلادي حيث بنيت على موضع دير سمي دير المغطس وكان مغمورا بالماء، وتم ترميم الكنيسة في القرن الحادي عشر بأمر من الخليفة الفاطمي وفي القرن السادس عشر تهدمت الكنيسة وظلت كذلك الى ان جاء محمد علي وامر بإعادة بنائها عام ١٨٤٦ مع الحفاظ على الطابع الاثري، وفي عام ١٩٦٨ اعيد بناء صحن الكنيسة. ويصل طول الحجر الذي طبع عليه قدم الطفل يسوع إلى نحو ٨٠ سم، وقد سمي المكان باسم بيخا ايسوس حيث بيخا تعني قدم وايسوس تعني يسوع المسيح اي قدم المسيح في هذا المكان انشئ دير للرهبان حيث أستمر حتى القرن الثاني عشر الميلادي لكنه تعرض لموجة عنف واضطهاد من المتطرفين، دفعهم ذلك الى انقاذ الحجر من التخريب فكتبوا عليه علامه واخفوه بدفنه في فناء الدير وهرب الرهبان واخذوا يكتبون في المخطوطات عن قصه اخفاء الحجر والهروب حتى تتذكره الأجيال التالية.

المحطة التالية لعمرو سليم كانت نبع الحمراء، وهي استكمالا لرحلته وتتبع مسار العائلة المقدسة، إن ذلك المكان هو مختلف تماما عن بقيه الاماكن التي زارتها العائلة المقدسة حيث ان عند متابعتك لهذا المسار سترى ان اغلب المحطات دشن مكانها كنائس واديره، أما هذا المكان فهو مفتوح للزيارة.

من عند بحيرة عين نبع الحمراء

نبع الحمراء هي بحيرة في وادي النطرون والوصول إليها كان يحتاج لمشقة كبيرة، حيث أن الطريق كان غير ممهد ولكن تم الوصول للبحيرة التي تعتبر احدى معجزات العائلة المقدسة فهي تعتبر ثاني اكثر البحيرات ملوحة في العالم بعد البحر الميت، وعندما اتت العائلة المقدسة كانت القديسة العذراء مريم تبحث عن مصدر ماء عزب ليشرب منه الطفل يسوع، واخذ جزء من ماء البحيرة فاذا بنبع يخرج من البحيرة يخرج منه ماء عذبا وما زال هذا النبع موجود حتى اليوم ويقصده الكثير من الناس بقصد الاستشفاء، ويوجد في هذه المنطقة اربعة أديرة مهمين وهم دير البراموس ودير السريان ودير الأنبا بيشوي وابو مقار.

شجرة مريم بالمطرية

أما المحطة التالية فكانت عند شجرة مريم الأثرية بالمطرية، الذي يوجد في شمال القاهرة بالقرب من مسلة سينوسرت في مدينه اون اقدم مدن القاهرة عبر العصور، وعند الدخول إلى المزار يرى الزائر بئرا كبيرا ورسم للعائلة المقدسة على الجدران، كما توجد شجرة كبيرة محاطة بسور صغير، ويذكر ان هذه الشجرة هي من أصل الشجرة التي استراحت عندها العائلة المقدسة تحتها فقد ادرك الشجرة الأصلية الوهن والضعف وسقطت عام ١٦٥٦ حيث قام جماعه من الكهنة بأخذ فرع من فروع هذه الشجرة وزرعوه مرة زخرى فنمى الفرع من جديد ثم اخذوا فرعا اخر وزرعوه بجوار الشجرة الأصلية وهي الان عامره بالأوراق والثمار، ويذكر التاريخ انه في اثناء الحملة الفرنسية على مصر زار الجنود الفرنسيون شجرة العذراء مريم، وكتب الكثير منهم اسمائهم على فروعها بأسنة سيوفهم ولا يزال ذلك واضحا على الشجرة العتيقة، وذكر المؤرخ الاسلامي المقريزي الذي عاش حوالي منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ان العائلة المقدسة حطت بالقرب من عين شمس ناحيه المطريه حيث استراحت بجوار عين ماء وغسلت مريم فيها ثياب المسيح وثبت الماء بتلك الاراضي فانبت الله نبات البلسم وسبب كتابه الفرنسيين اسمائهم على الشجرة هو انهم في اثناء وجودهم في مصر تعرضوا لمرض جلدي واخذوا من شجره الجميز البلسم وشعروا بالراحة فتم الشفاء، ويمكن زياره الشجرة يوميا حيث ان المزار مفتوح طوال ايام الاسبوع كمزار سياحي.

وفي منطقة وسط البلد مرورا بشوارع مصر العريقة وبوصول عمرو سليم لمنطقه رمسيس وصل الى منطقه متفرعة من كلود بك سمى شارع البطرخانة القديمة ومنه وصل الى العزباوية والتي كانت عبارة عن حقل للبطيخ وكان هناك رجل يعمل في الفلاحة ويزرع ارضه بالبطيخ (الذي يستغرق ما بين اربعة الى سته اشهر كي تنبت بذره البطيخ وتنضج) وعندما وصلت العائلة المقدسة إلى الحقل، احسن الرجل استقبالهم وقدم لهم الماء والطعام واجلسهم للراحة وفي صباح اليوم التالي قامت القديسة العذراء مريم وطفلها الرضيع ويوسف النجار بالسير لاستكمال رحلتهم بعد ان اخذوا قسطا من الراحه عند هذا الرجل في ارضه وبدا الحديث يتبادل بينهم، فطلبت منه القديسة العذراء مريم طلبا بسيطا ووعدته أنه سيرى معجزة جميلة ستسعده، فقالت له اذا مر احدا من هنا يسأل عنا اخبره اننا مررنا من هنا وانت تضع بذر البطيخ، في اليوم التالى استيقظ الرجل على منظر عجيب حيث ان البطيخ قد نضج وانتج بطيخا شكله جميل، وبالفعل عندما أتى رسل وجنود هيرودس ليسالوا عن الطفل الصغير وامه قال لهم الرجل لقد اتوا من هنا عندما كنت اضع بذر البطيخ فايقن الجنود انهم مروا من هنا منذ اربعه الى سته اشهر وانهم بعدوا عن المكان بكثير جدا فعادوا الى فلسطين خائبين ومن هنا اتت المقولة الشهيرة المتعارف عليها لدى المصريين "تضرب الارض تطلع بطيخ" وفي هذا المكان شيدت كنيسه جميله داخل مبنى عظيم وبه كنيسه صغيرة الحجم وبه أيقونة اثرية للقديسة مريم العذراء تسمى ايقونة العجائب يأتي إليها الناس من كل مكان ويقال انها احدى الايقونات الثلاث التي رسمها القديس لوقا كاتب أحد الأناجيل الأربعة.

اما المحطة التأليه كانت كنيسة ابي سرجا في مصر القديمة وهي المنطقه التي يطلق حاليا عليها مجمع الاديان التابعة لمدينه الفسطاط والتي تعد منطقه اثريه قديمة واطلق عليها هذا الاسم حيث انها تضم اماكن عبادة لثلاثة اديان سماوية، مسجد عمرو بن العاص اول مسجد جامع بناه عمرو بن العاص عند فتح مصر والكنيسة المعلقة وستة كنائس اثرية والتي تضم كنيسة ابي سرجا والمتحف القبطي ومعبد ابن عذرا الذي يتوجه اليه اليهود لإقامة شعائرهم الدينية، وعند الوصول الى كنيسة ابي سرجا والتي سميت بكنيسة المغارة حيث اختبأت العائلة المقدسة في مغاراتها مده طويلة والكنيسة ذات صحن كبير مبنيه على الطراز البازليكي والذي يتكون من صحن الكنيسة والمنقسم إلى الجناحين ينفصلان عنه بصفين من الاعمدة يبلغ عددها حوالي 12 عمودا صنع 10 منها من الحجر وواحده من الرخام وواحده من الجرانيت الوردي حيث تعد الاعمدة أقدم الاثار الموجودة بالكنيسة حيث اخذت الاعمدة التي بنيت بها الكنيسة من معابد وثنية موجوده على ضفاف النيل وبنيت على طريقة بناء حصن بابليون و هذه الاعمد ةلها تيجان في نهايتها الا عمودا واحد يقول لنا عمرو سليم عند سؤاله عن هذه العمود ابلغه احد المرشدين السياحيين ان هذا العمود يرمز للتلميذ الخائن الذي خان السيد المسيح، ومن خلال السلالم الداخلية تستطيع القيام بزياره المغارة التي أختبأت فيها العائلة المقدسة، وترى المكان الذي كان ينام فيه السيد المسيح وهو طفل صغير وبئر الماء المبارك التي كانت تشرب منها العائلة المقدسة.

بالطبع كانت المحطة التالية هي كنيسة العذراء الاثرية بالمعادي التي تبعد 8 كيلو مترات عن كنيسة المغارة على ضفاف نهر النيل و تتميز الكنيسة بقبابها الثلاث، وتضم الكنيسة ديرا للراهبات هذا بالإضافة الى مجموعه من الايقونات والتحف الأثرية بعضها يعود الى عام 1500 ولا تزال اثار العائلة المقدسة موجوده في المكان حتى الان، خصوصا ذلك الممر السري الذي استخدمته العائلة المقدسة في رحلتها عبر النيل الى صعيد مصر، وتحتوي الكنيسة على مذبح اساسي في الوسط وخلال الترميم اكتشفوا سردابا كان يلجا إليه المسيحيون هروبا من الاضطهاد وهجمات البرابرة، وكان يحتوي على مذبح مقدس لاستكمال القداس ويوجد أيقونة للقديسة العذراء مريم التي يعود تاريخها الى القرون الاولى، وفي 12 مارس 1976 عثر على سطح النيل امام الكنيسة انجيل قديم مفتوح على ايه مكتوب فيها "مبارك شعبي مصر"، وتعد الكنيسة من اقدم كنائس المعادي وتعرف ايضا باسم العدوية نسبة لامرأة مغربية كانت في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي تمتلك العديد من الاراضي في هذه المنطقة ، وفي العصر العثماني سميت المعادي نسبه الى المعدية التي كانت تقطع النيل هناك لتنقل الناس من الشرق الى الغرب وتتميز الكنيسة بإطلالتها الجميلة على نهر النيل حيث يمكن للزوار التمتع بالزيارة وتناول واجبات الافطار على هذا المنظر الرائع لنهر النيل ويعد هذا المكان مهما للسياح الاجانب الوافدين الى مصر حيث أنه من هذه النقطة عبرت العائلة المقدسة الى مدينه منف وهي الان مدينة ميت رهينة في محافظة الجيزة وتقع في البر الغربي للنيل ومنها توجهت الى صعيد مصر.

وسيرا على خطى العائلة المقدسة توجه سليم الى مدينه او محافظه المنيا ليصل الى مركز سمالوط حيث يوجد هناك دير جبل الطير الذي عانى كثيرا في الصعود اليه حيث يقع الدير فوق قمه جبل عالي مطل على نهر النيل وسمي جبل الطير بهذا الاسم وفاء من الأهالى  لطائر البرقيرس وهو طير ابيض الريش وله منقار طويل وهو طير مهاجر من شتاء اوروبا القارس ويتجه لدفء وشتاء هذا الجبل، ولان الكنيسة منحوتة في الجبل نفسه يوجد بقايا بكرة صندوق استخدمه الناس للنزول والصعود اليه مثل الاسانسير ولكن في القرن السادس عشر تم عمل 166 درجه سلم حجريه لصعود الناس بدلا من هذا الصندوق، وسمي ايضا جبل الكف حيث كانت هناك صخره تكاد تقع على العائلة المقدسة ومنعها السيد المسيح وطبع كفه عليه، وأقامت العائلة المقدسة في المغارة الموجودة بالفعل في الجبل واقاموا فيها ثلاثه ايام ثم انتقلوا لاستكمال رحلاتهم نحو الجنوب، ويتكون الدير من كنيسة كبيرة قامت ببنائها الملكه هيلانه عام 328 وهي عبارة عن صخره واحدة منحوتة مفرغة، ويوجد الهيكل المنحوت في الصخر ايضا، ومن خلال التواجد بالدير يمكن الاستمتاع بمنظر النيل من على الجبل المرتفع والخضرة تحيط به من كل مكان.

أما المحطه التالية فكانت مدينة البهنسا وذلك لزيارة الشجرة المباركة التي مرت عليها العائلة المقدسة، وتعد مدينه بهنسا مدينه تاريخية تحتفظ بالعديد من اضرحة الصحابة الذين قدموا إلى مصر، ولها مكانة كبيرة في الديانة الإسلامية، ويقوم العديد بزيارتها، وتسمى بأرض الشهداء، وبها مقام السبع بنات الذي اختلف المؤرخون فيه وعن سبب التسميه قيل انهم راهبات اشتركوا في حرب للمسلمين وقيل انهم كانوا يضيئون الشوارع ليلا وتدور حولهم الكثير من الاساطير، وبعد الانتهاء من هذه الجولة توجه سليم الى مسجد سيدي الجمال حيث سيتعرف الانسان على معنى الوحدة الوطنية في مصر والأخوة بين المسلمين والمسيحيين فعلى بعد امتار من حرم مسجد سيدي الجمال وضريحه ستشاهد الشجرة التي استظلت تحتها العائلة المقدسة في اثناء رحلتها، وتستطيع الوصول إلى الشجرة المباركة داخل ساحه وحرم المسجد، وتتوافد العائلات وتقوم بفرش الاقمشة والجلوس عليها للتبرك بالمكان والذي كان ضمن العديد من الاماكن التي شرفت بقدوم العائله المقدسه.

وبعد عناء رحله طويله وصل سليم إلى آخر نقطة وصلت إليها العائلة المقدسة وهو ما يعرف بدير المحرق بأسيوط والذي استقرت فيه ١٨٥ يوم، ويعتبر هذا المكان من اطول الاماكن التي استقرت فيها العائلة المقدسة وكان هذا الدير عامرا منذ القرن الرابع الميلادي ويحتوي على معالم كثيرة منها الحصن الاثري الذي شيده الملك زينون عام ٤٨١ ميلادياً، وقد بنيت هذه الحصون لحمايه الرهبان من غارات البربر الوحشية، وهو مصمم لحياة معيشية كاملة، فتحات الحصن من الداخل متسعة ومن الخارج ضيقة لتسمح بأكبر قدر من الإضاءة والتهوية، كما يمكن رؤية الخارج بوضوح، السقف مكبب بأربعة أركان لتوفير حركه الهواء والاستفادة من التهوية الجيدة. في الدير توجد كنيسة أثريه تعود للقرن السادس وهي شيدت في مكان البيت الذي بناه يوسف النجار ليستريح فيه هو والقديسة العذراء  مريم والطفل يسوع، أما في صحن الكنيسة فتوجد أيقونه للملاك ميخائيل تعود للقرن الرابع بالإضافة الى المذبح الاوسط. تعد الكنيسة الأثرية هي أساس الدير واستمرت حتى النصف الثاني من القرن العاشر حيث تم بناء مجمع للرهبان وسمي الدير باسم المحرق، عرف الدير منذ القدم باسم دير القديسة العذراء واشتهر بدير المحرق ودير جبل قسقام، وترجع شهرته بدير المحرق إلى أن الدير كان متاخما لمنطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة وحرقها ولذلك دعيت بالمنطقة المحروقة أو المحترقة، ومع مرور الوقت استقر لقب الدير بالمحرق، كما انه اشتهر بدير جبل قسقام وهو اسم قديم منذ عصر الفراعنة. ويقع دير القديسة العذراء مريم الشهير بالمحرق على بعد نحو 12 كيلو متر غرب بلدة القوصية التابعة لمحافظه اسيوط على بعد 327 كلم جنوب مدينة القاهرة ويذكر في سفر أشعياء الأصحاح التاسع عشر الآية التاسعة عشر بالكتاب المقدس قائلة: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا." وهو ما تحقق بالفعل عن هذه الكنيسة حيث أن هذا الدير يقع بالفعل في وسط أرض مصر.

دير المحرق

بعد ان قضت العائلة المقدسة المدة التي تعد اطول فتره اقاموا فيها في مكان واحد ظهر الملاك مرة أخرى الى يوسف النجار ليخبره بان الحاكم الظالم قد مات وانه يمكنهم العودة إلى إسرائيل وكما جاء  في الكتاب المقدس في أنجيل متى " فلما مـات هيرودس، إذا ملاك الرب قد ظهر فى حلم ليوسف فى مصر. قائلا: “قم، وخذ الصبى وأمه، واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.".

وفي طريق العودة وصلوا الى اسيوط ليركبوا النيل ويتوجهوا الى المكان الذي يقام فيه الان دير درنكا والذي يبعد 10 كلم عن المدينة ويقع في الجبل الغربي لمدينة اسيوط على ارتفاع 100 متر من سطح البحر، وعندما وصلت العائلة المقدسة الى دير درنكا في شهر اغسطس ــ وهو الشهر الذي يحل فيه صوم العذراء حيث يقيم الدير احتفالا سنويا يوم 7 اغسطس حتى يوم 21 اغسطس ــ يحتوي الدير على مجموعه من الكنائس اقدمها كنيسه المغارة التي تعود الى حوالي 2500 سنه قبل الميلاد واقامت العائلة المقدسة في دير درنك ثلاثة اسابيع ومن هناك اتخذوا طريق عودتهم عبر النيل.

لقد استطاع سليم ان يأخذنا في رحله شيقة تضاهي رحله العائلة المقدسة في ارض مصر هروبا من هيرودس، ولكن بطريقته الخاصة على دراجه هوائية، جعلنا نعيش معه التوقيتات التي تحرك فيها ومشاركته مع اصدقائه الذين خرجوا معه في هذه الجولات ونقل لنا كل مشاهداته عبر الطريق كما جعلنا نشعر بالتعب والارهاق من طول المسافة وكذلك اوقات الراحة والسمر بينه وبين زملائه ومدى ترحيب الأهالى المحليين به، بطريقه سهلة وشيقة

اعتقد ان ما ينقص هذا الكتاب هو تعمق اكثر في قراءة الرحلة من الكتاب المقدس، وكذلك بعض الكتب الكنسية والشعبية القديمة التي نقلت وسجلت الرحلة والاماكن والمعجزات التي حدثت وكذلك الاستعانة بما أصدرته الأديرة والكنائس التي زارتها العائلة المقدسة في وصف الكنائس والاثار القديمة التي يتبارك منها المصريين وكذلك تسجيل المشاهدات والتجارب الحية للناس عند زيارتهم لهذه الاماكن المقدسه والتي يؤمن الاقباط فيها باهميه هذه الاماكن لهم ولمصر كلها.

قدم لهذا العمل الفريد في نوعه الدكتور سامي صبري العميد السابق لمعهد الدراسات القبطية استاذ العمارة بكلية الهندسة الذي قال "لقد قام الرحال عمرو سليم بمجهود جثماني ضخم مستخدما دراجته الهوائيه البسيطه قاطعاً بها مسافه تزيد على الالف كيلو متر خلال 20 يوما على مراحل متفرقه واثبت انه كاتب ناجح ورحال متميز حقق هدفا جليلا كله بركه في وقت قياسي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة