لا يليق الحزن بقلبي.. ديوان أنثوي يكتب الخلاص بالشعر

 بقلم: نادر حبيب

في ديوانها "لا يليق الحزن بقلبي" إصدار دار الجندي، وفي طبعتها الثانية ومن خلال ١٨٨ صفحة، تمضي الشاعرة الدكتورة سحر كرم على خيط مشدود بين الحزن والأمل، بين هشاشة الذات وقوة المقاومة، وبين أنوثة تتمرّد على القيود وأخرى تبحث عن توازن في عالم يثقل كاهلها بالتوقعات والخذلان. هذا الديوان ليس مجرد نصوص شعرية، بل هو سيرة وجدانية لأنثى تعيد اكتشاف ذاتها بين أنقاض الخسارات، وتواجه العالم بقلب حساس لا يليق به الحزن – كما تقول – لكنه لا يتوقف عن الإحساس.

والقصيدة كنافذة على الذات تمتاز نصوصها بنبرة اعترافية، تُشبه حديثًا داخليًا بين الشاعرة ونفسها، لكنه يصل إلينا نحن القرّاء وكأنه يُخاطب جرحًا خفيًا في داخل كل واحد منا. تقول في إحدى قصائدها:

"أحاول أن أكون امرأة عادية، لكنني أختنق من تكرار التفاصيل."

هنا تعلن الشاعرة عن موقف واضح من النمطية والامتثال الاجتماعي، وتختار أن تكون حرة حتى في ألمها، لا تنحني للصور النمطية، ولا تتنازل عن لغتها الخاصة.

ولأن بين الحب والخذلان.. وجوه متعددة للحياة، تحضر العلاقات العاطفية في كثير من نصوص الديوان كمحور صراع داخلي؛ فالرجل لا يظهر كمحب فقط، بل كشريك غائب أو كمصدر خيبة. لكن اللافت أن الشاعرة لا تكتفي بالرثاء، بل تتجاوز الجرح بالكتابة، وتعيد تعريف العلاقة مع الألم. تقول في نص آخر:

"لم يكن يحبني، فقط كان يختبر سلطته على دمعتي."

إنه توصيف شعري دقيق لحالة من الهيمنة العاطفية، تُقابلها الشاعرة بالتجرد والتحرر عبر القصيدة، فتتحول الكتابة إلى فعل مقاومة وشفاء.

اللغة في هذا الديوان ناعمة لكنها مشحونة، عذبة لكنها تختزن مرارات دفينة، تعتمد الشاعرة على الاقتصاد في الكلمات دون أن تفقد النصوص عمقها أو قدرتها على الإدهاش. وتُوظّف أدوات شعرية مثل التكرار والضمير المتكلم والإيقاع الداخلي، لتمنح النصوص تناغمًا شعوريًا خاصًا. يظهر ذلك في قولها:

"أزرع في قلبي وردة
وأسقيها من دمعي
وأحرسها من ريح اليأس"
وهنا، تتحول المشاعر إلى صور حية، ويصبح الحزن طاقة للخلق لا للانكسار.


ينتمي الديوان إلى قصيدة النثر الحديثة، حيث تتقاطع التجربة الذاتية مع الرؤية الفكرية، وتبتعد الشاعرة عن الزخرفة اللفظية أو الخطابية. أسلوبها يستدعي إلى الذاكرة أسماء مثل سعاد الصباح في التعبير العاطفي الصادق، وإيتل عدنان في التأمل الوجودي، ونوال السعداوي حين يتحوّل النص إلى أداة مقاومة أنثوية. وفي بعض المقاطع، نجد صدى لروح نازك الملائكة وفدوى طوقان في البوح الوجداني، وإبراهيم ناجي في رهافة الإحساس.

من بين نصوص الديوان، تبرز قصيدة "لا يليق الحزن بقلبي" – التي حمل الديوان اسمها – كواحدة من أقوى النصوص بنيويًا ولغويًا. فيها تكثيف شعري عالٍ، وصور ترتكز على مفردات الجسد والذاكرة والعزلة، ما يجعلها لحظة شعورية مكتملة في ذاتها، فتقول الشاعرة:

"لا يليق الحزن بقلبي
فقلبي خُلق للورد
للضحكة التي تشرق في عيون أطفالي
وللأمل الذي يزهر في صباحاتي"

هذه القصيدة تمثل جوهر تجربة الشاعرة، إذ تجمع بين البوح الشخصي والرسالة الإنسانية، وتؤكد على قدرة الإنسان على تجاوز الجراح، مما يمنح القارئ جرعة من الإيجابية والدفء.

هناك العديد من أبيات الديوان تلمس القلب بمشاعرها الحقيقية وصدقها، منها:

"أحمل قلبي كطفل صغير
أخاف عليه من برد الوحدة
وأدفئه بحكايات أمي"

هذه الأبيات تبرز قدرة الشاعرة على تجسيد المشاعر الإنسانية البسيطة والعميقة في آن واحد، وتجعل القارئ يشعر وكأنها تكتب عنه وعن تجربته هو، لا عن نفسها فقط.

في عالم الشعر، يُنظر إلى هذا الديوان باعتباره وثيقة وجدانية تعكس صوت المرأة العربية في زمن التحولات، وتقدم نموذجًا للكتابة الشعرية الصادقة. الديوان يصلح لأن يكون مرجعًا في دراسة تطور الشعر النسوي العربي، ومرآة لتجربة جيل جديد من الشاعرات اللواتي يكتبن بجرأة وشفافية.

ديوان "لا يليق الحزن بقلبي" هو عمل صادق، يمسّ القارئ ببساطته وعمقه، ويفتح بابًا للتأمل في التجربة الأنثوية كما تعيشها الشاعرة، لا كما نتصورها نحن. إنه ديوان يليق أن يُقرأ أكثر من مرة، لأنه في كل مرة يمنحك نصًا جديدًا، وصوتًا داخليًا مختلفًا، وربما مرآة ترى فيها نفسك، أو تبتسم لأنك نجوت.


الدكتورة سحر كرم

شاعرة وطبيبة مصرية، من مواليد القاهرة 1965. حاصلة على دكتوراه في الأشعة التشخيصية من جامعة عين شمس، وتشغل منصب استشاري الأشعة التشخيصية في مراكز كايرو سكان، عضو اتحاد كتاب مصر ورئيس مجلس إدارة ملتقى الفن والأدب العربي، وسفيرة للسلام والنوايا الحسنة في عدة مؤسسات. 

شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية والفعاليات الأدبية، وصدر لها عدة دواوين شعرية، أبرزها "لا يليق الحزن بقلبي". تجمع بين التميز العلمي والإبداع الأدبي، وتعد من الأصوات النسوية البارزة في المشهد الثقافي المصري.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة