"في القراءة .. حياة " وحياة بعد الحياة

 عالم المكتبات | أضواء |

بقلم: نادر حبيب

"في القراءة .. حياة" ذلك هو شعار الدورة ال٥٢ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب لهذا العام، شعار أكثر من رائع وقفت أتأمل فيه كثيرا، لقد ضاعت سنين كثيرة وأنا أحاول أن أقنع من حولى بالقراءة قراءة كتاب، قراءة مجلة أو جريدة ولكن لا حياة لمن تنادى، الكل مشغول بذلك الجهاز السحرى الذى سيطر على الجميع الكبار والصغار دون أي مجهود وأستطاع أن يقنع الجميع أنهم بدونه أموات، حتى أن أول شئ يمسكه الأنسان قبل حتى أن يفتح عينيه هو ذلك الجهاز اللعين، جهاز التليفون المحمول والمعروف بالموبايل.

الكل يقنع نفسه أنه سيقراء الكتب علي المحمول ولكن طبيعة هذا الساحر أنه يشغلك برسالة، أو مكالمة تجعلك تخرج بعيدا عما تقراءه، ويضيع الوقت المخصص للقراءة وبعدها الأيام والشهور والسنين وتجد نفسك في النهاية أنسان تحركه الإشعارات والليكات والقلوب الحمراء.

"في القراءة .. حياة" شعار يجب أن يكون أسلوب حياة، في كل بيت، في الماضى أتذكر أنى كبرت في بيت كان يحرص فيه جدى أن يشترى الجريدة "جريدة الأهرام" كل يوم وكبرت على أنها جريدة علية القوم، ويجلس على كرسيه المفضل ليقراءها بأكملها من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة دون ملل أو إرهاق في فترة الضحى. 

لقد كبرت في بيت كان الأب حريص فيه أن يربطنى بمجلة ميكى يوم الخميس ومجلة سمير يوم الأحد لأتعود على القراءة، فكنت في البداية لا أقراء ولكنى كنت أتفرج على الرسومات والصور ولكن مع الوقت بدأت أقراء وأستمتع بما هو مكتوب لمدة أسبوع بأكمله وأصبحت أنتظر صدور العدد الجديد كما ينتظر الأب مولده الأول بفارغ الصبر، لقد كبرت وأنا أرى أبى حريص كل الحرص أن يدخل على بكتب جديدة كل يوم أو يومين، لقد عرف ميولى وحبى للتاريخ فكانت أغلب الكتب تدور في فلك التاريخ وعلمنى أن التاريخ لن تفهمه دون أن تفهم الجغرافية، وبالطبع التاريخ والجغرافية هما السبب في كتابة الروايات والقصص بل وقصص الإكتشافات والعلوم وسيطرة السياسة على الأقتصاد، وبدأت أكبر وتكبر معى مكتبتى الخاصة، وكنت دائما فخوراً بمكتبتى الرائعة التى لم يكن لها مثيل بين أفراد عائلتى وخاصة من هم في سنى.

ولأنى منذ الصغر أدعو من حولى بحب القراءة فبدأت أعمل شئ غريب جداً لم أفهم وقتها أنه علم له قواعد، لقد بدأت بترتيب مكتبتى كل صنف لوحده، المجلات لوحدها، وأقوم بترتيب المجلات حسب نوعها، ثم أرتب مجموعة المجلات الواحدة حسب تاريخها، أما الكتب فقد وضعت الكتب حسب تخصصها، ثم بدأت بترتيب تخصص الكتب حسب أسمها، كل هذا وأبى يراقبنى ولا يعطينى أى تعليق ولا كأنه كان سعيد بما أقوم به بالفطرة.. المهم بعد أن أنتهيت بما عرفت أسمه بعد ذلك بأنها عملية الأرشفة، قررت أن أسجل كل هذه الكتب في دفتر مخصص لذلك وضعت فيه كل بيانات الكتاب أو المجلات، وعندما أنتهيت من ذلك دعوت أقاربى عن طريق التليفون الأرضى - لم يكن التليفون المحمول قد أخترع بعد - أنى سأستقبلهم وسوف أعيرهم الكتب ولكن بشرط ملئ طلب الإشتراك وأرفاق صورة شخصية مع الطلب، وأقوم بتسجيل الكتب المستعارة في دفتر آخر في صفحة كل شخص، حتى أضمن وأعرف من الذى أستعار منى الكتاب، هذه كانت طريقة لعبى وأنا صغير.

كبرنا ولازال يتملكنى حب القراءة، كبرنا وأنا أدعوا كل من يقابلنى أن يستمر في القراءة الورقية، أن يهدى من يحب كتاب، كما كان يفعل أبى الذى لن أستطيع أن أوفيه حقه، فهو من علمنى حب الكتاب وأحترامه، علمنى أخلاقيات أستعمال الكتاب والأحتفاظ به، علمنى كيف أقلب صفحاته، وكيف تكون القراءة، وكيف أسجل ما أريد في ورق أبيض وليس على  صفحات الكتاب حتى من يأخذه بعدى يشعر وكأنه أول من مسك الكتاب فيقراء في سعادة كما كنت أفعل أنا.

لكى تكون القراءة حياة يجب عليك يا صديقى أن تذهب إلى مكتبة بيع الكتب وأنت سعيد كما تذهب إلى محلات الطعام السريعة، أذهب وأنت فرحان كمن سيقابل حبيبته، وعند دخولك أذهب الى القسم الذى تحب القراءة فيه مباشرة وأستمتع بقراءة العناوين الجديدة وكما تختار ملابسك على ذوقك، أختار أيضاً الكتاب الذى ستقراءه، أعشق الكتاب قبل أن تدفع ثمنه وتخرج من المكتبة، ولا يمنع بالطبع أنك تشترى العديد من الكتب وقول لنفسك سوف أقراء هذا الأول ثم ذاك بعد ذلك، شعور ممتع في الحقيقة، أستغل معرض الكتاب وأذهب لشراء الكتب فهذا المحفل كالأوكازيون خصومات ومفاجآت وأشترى أثنين تأخذ الثالث هدية، فرصة ماتتفوتش، شئ ستستمتع به فوق ما تتخيل.

المهم بعد أن تشترى الكتب وترجع البيت، خصص لنفسك مكان محدد، الإضاءة فيه حلوة، وأجعل المكان الذى ستجلس للقراءة فيه مريح، كأنك ذاهب لتجلس مع من تحبه، وطبعاً وأنت ذاهب لتجلس مع من تحبه لن تاخد الموبايل معك لانك لا تريد أن يزعجكم أحد، بالضبط هذا ما ستعمله وأنت ذاهب للقراءة، أترك الموبايل بعيداً أو أضبطه على وضع "الطيارة"، لا تجعل أحد أن يزعجكم، أنت والكتاب، يمكن أن تضع بجنبك زجاجة مياه، حتى لا تقوم وتترك الكتاب، "في حد يكون قاعد مع اللى بيحبه ويقوم ويتركه؟" طبعاً لأ، وضع بجنبك ورقة وقلم.

عندما تفتح الكتاب عيش معاه، أعرف من المؤلف أكتب أسمه في الورقة كى تبحث عنه وتعرف من هو ودراسته وتاريخه، أكتب أي ملاحظات دارت في خاطرك وتحتاج تبحث عليها على الأنترنت، ولو المؤلف كاتب معلومة عن كتاب آخر، أكتب أسم الكتاب حتى تحاول أن تشتريه لو فكرته عجبتك، حاول أن تتقمص شخصيات الكتاب وحكاويه، لو أستطعت أن تحقق ما سبق، بكل تأكيد ستختلف الدنيا وكتاب ورا كتاب ستشعر أنك عشت فوق حياتك ١٠٠ حياة، أشترى كتب عن البلاد اللى تحب تسافرها وبعدها تفرج عليها على موقع اليوتيوب youtube ستسعد أكثر، ولو تحب الشعر أشترى كتب عن الشعر وفكر في كلماته، ولو تحب التاريخ كما أحبه أنا، فكر عن تلك الفترة التى تقرأ عنها، وأبحث عن أسباب تلك الأحداث وملابس الناس في تلك الفترة وطرق معايشهم أكيد كل هذا سيجعلك تغير فكرتك عن القراءة.

طبعاً بعد ما تقرأ كل ما سبق، ولو كنت قد وصلت إلى هنا فعلا ولم تشعر بالملل منى، هذا شئ جميل جدا، وتأكد أنى لا أعطيك النصائح ولكنى في الحقيقة أريدك أن تسأل نفسك متى كانت آخر مرة قد قرأت فيها كتاب؟ كن صريح مع نفسك .. فأنا لا أريد أن أعرف الإجابة، لكن كل ما أريدك أن تعرفه أنك لو أب أو أم فعليك مسؤلية كبيرة تجاه أطفالك، فكيف ستقنعهم بالقراءة وأنت لا تقرأ؟ وهم لم يشاهدوك حتى تقرأ جريدة، وهم دائما ما يسمعونك أنك تتابع الآخبار من على صفحات الفيسبوك Facebook، وحتى إن لم تكن أب أو أم ففرصتك بالأستمتاع بالكتاب أكبر لا تضيعها، أذا أردت الحياة صديقي وأن تعيش حياة فوق الحياة فعليك بالقراءة .. فـ"في القراءة .. حياة".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

المشاركات الشائعة