عالم المكتبات | كتاب جديد |
قلم : نادر حبيب
فاكرين الكلمتين اللي كنا بنسمعهم من جدودنا لما كان أي ضيف يجي يزورهم في بيت العيلة الكبير، كلمتين نكاد نكون قد نسيناهم مع كل ما فقدناه من تلك الايام التي لم يتبقي منها إلا ذكريات تبتعد أو تقترب من الشخص حسب إنشغاله بحاضره ومستقبله.
خطوة عزيزة هي مجموعة من القصص القصيرة التي تقدمها لنا أميرة النشوقاتي الصحفية المتميزة، المحُبة للتراث، وهذا ما يؤكده أرشيفها الصحفي، وقام بنشرها مؤسسة كتابي للطباعة والنشر والتوزيع في مائة صفحة.
في بداية كتابتي لهذه السطور وجدت الأمر صعب جدا، لا لصعوبة محتوى كتاب «خطوة عزيزة» ولكن لأن الكتاب نقلني إلي حالة إستعادة الذكريات الجميلة في بعض الأحيان وفي وقت آخر جعلني أشعر وكأني أري قصة درامية قصيرة بكل تفاصيلها المملة وكأنها ينقصها أن يأخذها أعظم المخرجين ويحولها لعمل درامي يبهرنا بتجسيدها علي الشاشة الصغيرة، ولكن الصعوبة الكبرى هي أن تكون لك صلة ومعرفة بكاتبة هذه المجموعة القصصية، والتي تحاول أن تخرج لك من بين طيات الكتاب وصفحاته لتطل عليك فتشاركك مرة بذكرياتها وفي مرات أخري تصدمك بالواقع الذي نعيش فيه.
.jpeg)
فاكرين الكلمتين اللي كنا بنسمعهم من جدودنا لما كان أي ضيف يجي يزورهم في بيت العيلة الكبير، كلمتين نكاد نكون قد نسيناهم مع كل ما فقدناه من تلك الايام التي لم يتبقي منها إلا ذكريات تبتعد أو تقترب من الشخص حسب إنشغاله بحاضره ومستقبله.
خطوة عزيزة هي مجموعة من القصص القصيرة التي تقدمها لنا أميرة النشوقاتي الصحفية المتميزة، المحُبة للتراث، وهذا ما يؤكده أرشيفها الصحفي، وقام بنشرها مؤسسة كتابي للطباعة والنشر والتوزيع في مائة صفحة.
في بداية كتابتي لهذه السطور وجدت الأمر صعب جدا، لا لصعوبة محتوى كتاب «خطوة عزيزة» ولكن لأن الكتاب نقلني إلي حالة إستعادة الذكريات الجميلة في بعض الأحيان وفي وقت آخر جعلني أشعر وكأني أري قصة درامية قصيرة بكل تفاصيلها المملة وكأنها ينقصها أن يأخذها أعظم المخرجين ويحولها لعمل درامي يبهرنا بتجسيدها علي الشاشة الصغيرة، ولكن الصعوبة الكبرى هي أن تكون لك صلة ومعرفة بكاتبة هذه المجموعة القصصية، والتي تحاول أن تخرج لك من بين طيات الكتاب وصفحاته لتطل عليك فتشاركك مرة بذكرياتها وفي مرات أخري تصدمك بالواقع الذي نعيش فيه.
.jpeg)
هذه ليست القصة أو الكتاب الأول لأميرة، فهى قد أصدرت من قبل وليس من بعيد، مجموعة قصصية قصيرة بعنوان بالتفصيل، وكان أهم ما يميزها أنها قادرة على أن تجذب القارئ لينتهي منها بمجرد أن تبدأ بقراءة صفحاتها الأولي، وفي المرة الأولي كانت الظروف قد أسعدتني أن أبدأ في قراءة القصة في سيارتي وأنا في أنتظار أسرتي الصغيرة من الانتهاء من كشف الطبيب، فأضاف ذلك بعدا ثالث للقصة، حيث كانت الأصوات العالية في الشارع تضفي جواً رائعاً علي المجموعة القصصية وخاصة أن القصة الاولي كانت تدور في شرفة منزل في وسط ميدان كبير، مما جعل شهيتي للقراءة تزيد بشكل غريب. ولكن بالنسبة لخطوة عزيزة، تحتاج إلي الهدوء والسكينة وجو شاعري، حتي أنك يمكن أن توقد شمعة من تلك الأنواع التي يفوح منها عطر الياسمين أو الفل ليعيد ذلك في ذاكرتك روح الماضي والزمن الجميل ولا تنسى بمصاحبة صوت الست أم كلثوم.
أستطاعت أميرة أن تصدمني في أول قصة «في مكتب العمل» وذلك لأني كما سبق وأعلمتكم أني أعرفها جيدا، وغالباً ما يكون عندي قناعة أن مثل هذه المجموعات القصصية لا تمثل إلا صاحبها والمواقف التي يمر بها علي مدار سنين وخبرات حياته الطويلة، وما القصة الأولي إلا أنها تدور حول فتاة تغرم بزميلها ويغرم هو بها، وبالرغم من أنها قصة تدور في صفحتين ونصف، إلا أنها تشعرك أنك قرأت الكثير فيما بين السطور، وكيف أنها تحلم بزميلها وهو يحنوا عليها ويطعمها بيده، وتظهر قمة الصراع في نهاية القصة عندما تكتشف أنها متزوجة وتضع سؤال أمام القارئ هل تخبر زوجها؟.. وعندما سآلتها في مقابلة عن سبب وضعها لهذه القصة في بداية المجموعة قالتها صراحة، أحببت أن أصدم القارئ.
هناك مجموعة من القصص التي شعرت فيها بوجود أميرة بشخصها داخلها، بعكس تلك القصة الأولي، والتي تحكي فيها بعض من ذكرياتها، عن الناس والأماكن والأشياء، وهو ما يعود بنا للحنين للماضى، وفي الحقيقة هي تعكس لنا وتنعش ذاكرتنا، قصة «دولاب أمي»، «عيد ميلاد سعيد»، صندوق الحاوى»، «أوكازيون»، و«إزازة ريحة» هي تلك المجموعة التي تحمل في طياتها ذكريات تتشابه بالنص من قريب أو من بعيد بذكريات كل واحد منا نحن مواليد السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي من أبناء الطبقة المتوسطة والذين كانوا يعيشون في أربعة مناطق وأحياء مهمة، شبرا، العباسية، الظاهر، والحلمية، بل سنتذكر كيف كان «دولاب الأم» ذو المفتاح الذهبي المشغول، ما هو إلا خزينة البنك المركزى المحصنة، والتي لايمكن أن نقترب منه أونفتحه أو نمسك أي شئ بداخله إلا بأمر منها هي شخصياً، ذلك الكنز الكبير أستطاعت أميرة فقط أن تفتحه، وتصفه لنا بكل تفاصيله المملة، وكذلك الجدة ودورها المهم في حياة الاطفال وقصصها وحكاويها، وليالي الصيف التي لا تنتهي ومغامرات البحر وتلك الراية السوداء اللعينة التي تمنعنا من نزول البحر، تفاصيل تجعلنى أعتقد أننا كنا نقضي كل الأوقات سوياً.
جعلتني كل هذه الأمور أفكر في لحظات في شئ غريب جداً، كل جيلنا يكاد يتشابه في نفس الذكريات والاحلام والأمال ولكن بأختلاف الأسماء والأبطال، وأتسائل هل هذه الظاهرة ستختفي مع الأجيال الجديدة، أعتقد أن الاجابة ستكون إيجابية، بالرغم من التقدم التكنولوجي وإنتشار الفضائيات إلا أن الاجيال القادمة وبكل تأكيد لن يكون لها ذاكرة مشتركة لأن التنوع أصبح كبير ومختلف، فنحن كان لدينا قناتين فقط الأولي والثانية، وكان أهم شئ التجمع الاُسري في بيت العيلة، واللعب المشترك والاهتمامات الأسرية المشتركة، عودة الأب والأم من العمل في حدود الساعة الثالثة ظهراً، ليبدأ نشاط الأسرة في العصارى، عندما يستيقظ الأب والأم من النوم بعد الغذاء، اليوم وكما يقولون كان فيه بركة.
المدارس كانت يا تعليم خاص والمتمثل في مدارس الجاليات المسيحية التي تأسست منذ عهد الخدوى إسماعيل ولها باع طويل في التربية والتعليم والأخرى الحكومية والتي كانت أقوى في الماضى حتي من تلك المدارس الخاصة وتقدم تعليم جيد ومحترم. كذلك أطفال العمارة الواحدة يلعبون سوياً ويعلقون الفوانيس التي يصنعونها معاً في رمضان بين العمارات، وكما تقول الست أم كلثوم، رجعونى عينيك لأيامي اللي راحوا، علموني أندم علي الماضى وجراحه. كل هذا يؤكد لي أنه لن تكون هناك ذاكرة مشتركة لهذا الشعب مرة أخرى، وكل مجموعة سيكون لها كُتابها وكْتبها التي ستختلف كلياً عن الأخرى والتي لن يفهما إلا لمن كتبت لهم.
هناك قصتان مهمتان أيضاً تحاول بهم أميرة أن تصل الماضى بالحاضر الذى نعيشه، «السر» و«مكتوب» في الأولي تحكي كيف أن سيدة تكشف عن خيانة زوجها الإلكترونية علي مواقع التواصل الإجتماعي، والثانية تحكي لنا عن الثورة والمظاهرات وعن إنتظارنا لتحقيق الأحلام بحياة أفضل ليس لنا ولكن لأبنائنا، وكما تقول أميرة لقد أصبحنا نحن من يصنع الذكريات لأبنائنا.
.jpeg)
«أثنين غيرنا» القصة قبل الأخيرة، هذه القصة غريبة جدا، فبمجرد أن بدأت بقراءتها وبدأت شخصيات القصة تتجسد أمامي كممثلين يمكن أن يقوموا بتجسيد هذه القصة وكأني مخرج الروائع، فالبطلة كنده علوش والبطل هو عمرو يوسف ودور الأم الفنانة الرائعة سلوى محمد علي، وقد تخيلت أن يكون موقع التصوير في أحدى منازل الكوربة القديمة الواسعة، بالإضافة للأماكن التي تفرضها علينا القصة، والتي تدور حول الفتاة المنعزلة إجتماعيا عن جيرانها مع أنها ناجحة في عملها بشكل كبير، وتتعرض تلك الفتاة لموقف يجبرها للتعامل مع جيرانها وتتوالي الأحداث، والرائع أن أميرة قد تركت لنا مساحة جيدة في نهاية القصة لكي يضع كل واحد النهاية التي تسعده حسب فكره، ونظرته للمجتمع وعلاقته بجيرانه وفي المنطقة التي يعيش بها.
مجموعة قصصية مشوقة أستطاعت أميرة بلغة سهلة وممتعة أن تخرجنا من الواقع الذي نعيش فيه وتعود بنا لحياة نفتقدها وأصدقاء في الذاكرة يمكن أن نراهم في صورة، أو نتذكرهم في موقف، وأصبحت ذاكرتنا مثل ذلك المانيكان الذي كتبت عنه في قصة «أوكازيون»، والذي لم يتبقى منه سوى الرأس، ولكن بالرغم من ذلك فهي جعلته مثلما يحدث في أفلام والت ديزنى الشهيرة، يتحدث ويشعر ويتفاعل بما يدور حوله، لقد أصبح المانيكان يخشى صوت طرقعة شبشب البائعات لأنه نذير شؤم يعنى الخبط والقلع ولبس أسوأ ما صنعته ماكينة، وأقبح ما يتصوره عقل … وتم إستئصال جسمها الشهى وبقى رأسها المكتسي باشارب مع «٥» رؤوس أخرى في قاع الفاترينة.
Tags:
كتاب جديد