خطوة‭ ‬عزيزة

عالم المكتبات | كتاب جديد |

قلم‭ : ‬نادر‭ ‬حبيب

فاكرين‭ ‬الكلمتين‭ ‬اللي‭ ‬كنا‭ ‬بنسمعهم‭ ‬من‭ ‬جدودنا‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬أي‭ ‬ضيف‭ ‬يجي‭ ‬يزورهم‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العيلة‭ ‬الكبير،‭ ‬كلمتين‭ ‬نكاد‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬نسيناهم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فقدناه‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الايام‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتبقي‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬ذكريات‭ ‬تبتعد‭ ‬أو‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الشخص‭ ‬حسب‭ ‬إنشغاله‭ ‬بحاضره‭ ‬ومستقبله‭.‬

خطوة‭ ‬عزيزة‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬لنا‭ ‬أميرة‭ ‬النشوقاتي‭ ‬الصحفية‭ ‬المتميزة،‭ ‬المحُبة‭ ‬للتراث،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬أرشيفها‭ ‬الصحفي،‭ ‬وقام‭ ‬بنشرها‭ ‬مؤسسة‭ ‬كتابي‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬في‭ ‬مائة‭ ‬صفحة‭.‬

في‭ ‬بداية‭ ‬كتابتي‭ ‬لهذه‭ ‬السطور‭ ‬وجدت‭ ‬الأمر‭ ‬صعب‭ ‬جدا،‭ ‬لا‭ ‬لصعوبة‭ ‬محتوى‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬خطوة‭ ‬عزيزة‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬الكتاب‭ ‬نقلني‭ ‬إلي‭ ‬حالة‭ ‬إستعادة‭ ‬الذكريات‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬آخر‭ ‬جعلني‭ ‬أشعر‭ ‬وكأني‭ ‬أري‭ ‬قصة‭ ‬درامية‭ ‬قصيرة‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬المملة‭ ‬وكأنها‭ ‬ينقصها‭ ‬أن‭ ‬يأخذها‭ ‬أعظم‭ ‬المخرجين‭ ‬ويحولها‭ ‬لعمل‭ ‬درامي‭ ‬يبهرنا‭ ‬بتجسيدها‭ ‬علي‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬الصعوبة‭ ‬الكبرى‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لك‭ ‬صلة‭ ‬ومعرفة‭ ‬بكاتبة‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية،‭ ‬والتي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬طيات‭ ‬الكتاب‭ ‬وصفحاته‭ ‬لتطل‭ ‬عليك‭ ‬فتشاركك‭ ‬مرة‭ ‬بذكرياتها‭ ‬وفي‭ ‬مرات‭ ‬أخري‭ ‬تصدمك‭ ‬بالواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭.


هذه‭ ‬ليست‭ ‬القصة‭ ‬أو ‬الكتاب‭ ‬الأول‭ ‬لأميرة،‭ ‬فهى‭ ‬قد‭ ‬أصدرت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬قصيرة‭ ‬بعنوان‭ ‬بالتفصيل،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يميزها‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجذب‭ ‬القارئ‭ ‬لينتهي‭ ‬منها‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بقراءة‭ ‬صفحاتها‭ ‬الأولي،‭ ‬وفي‭ ‬المرة‭ ‬الأولي‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬قد‭ ‬أسعدتني‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬سيارتي‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬أنتظار‭ ‬أسرتي‭ ‬الصغيرة‭ ‬من‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬كشف‭ ‬الطبيب،‭ ‬فأضاف‭ ‬ذلك‭ ‬بعدا‭ ‬ثالث‭ ‬للقصة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الأصوات‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬تضفي‭ ‬جواً‭ ‬رائعاً‭ ‬علي‭ ‬المجموعة‭ ‬القصصية‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬القصة‭ ‬الاولي‭ ‬كانت‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬شرفة‭ ‬منزل‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬ميدان‭ ‬كبير،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬شهيتي‭ ‬للقراءة‭ ‬تزيد‭ ‬بشكل‭ ‬غريب‭. ‬ولكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لخطوة‭ ‬عزيزة،‭ ‬تحتاج‭ ‬إلي‭ ‬الهدوء‭ ‬والسكينة‭ ‬وجو‭ ‬شاعري،‭ ‬حتي‭ ‬أنك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توقد‭ ‬شمعة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأنواع‭ ‬التي‭ ‬يفوح‭ ‬منها‭ ‬عطر‭ ‬الياسمين‭ ‬أو‭ ‬الفل‭ ‬ليعيد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ذاكرتك‭ ‬روح‭ ‬الماضي‭ ‬والزمن‭ ‬الجميل‭ ‬ولا‭ ‬تنسى‭ ‬بمصاحبة‭ ‬صوت‭ ‬الست‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭.‬

أستطاعت‭ ‬أميرة‭ ‬أن‭ ‬تصدمني‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬في‭ ‬مكتب‭ ‬العمل‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬لأني‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬وأعلمتكم‭ ‬أني‭ ‬أعرفها‭ ‬جيدا،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عندي‭ ‬قناعة‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬إلا‭ ‬صاحبها‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬علي‭ ‬مدار‭ ‬سنين‭ ‬وخبرات‭ ‬حياته‭ ‬الطويلة،‭ ‬وما‭ ‬القصة‭ ‬الأولي‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬فتاة‭ ‬تغرم‭ ‬بزميلها‭ ‬ويغرم‭ ‬هو‭ ‬بها،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬قصة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬صفحتين‭ ‬ونصف،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تشعرك‭ ‬أنك‭ ‬قرأت‭ ‬الكثير‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬السطور،‭ ‬وكيف‭ ‬أنها‭ ‬تحلم‭ ‬بزميلها‭ ‬وهو‭ ‬يحنوا‭ ‬عليها‭ ‬ويطعمها‭ ‬بيده،‭ ‬وتظهر‭ ‬قمة‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬عندما‭ ‬تكتشف‭ ‬أنها‭ ‬متزوجة‭ ‬وتضع‭ ‬سؤال‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬هل‭ ‬تخبر‭ ‬زوجها؟‭.. ‬وعندما‭ ‬سآلتها‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬وضعها‭ ‬لهذه‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المجموعة‭ ‬قالتها‭ ‬صراحة،‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬أصدم‭ ‬القارئ‭.‬

هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬شعرت‭ ‬فيها‭ ‬بوجود‭ ‬أميرة‭ ‬بشخصها‭ ‬داخلها،‭ ‬بعكس‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬الأولي،‭ ‬والتي‭ ‬تحكي‭ ‬فيها‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬ذكرياتها،‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬والأماكن‭ ‬والأشياء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬بنا‭ ‬للحنين‭ ‬للماضى،‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬تعكس‭ ‬لنا‭ ‬وتنعش‭ ‬ذاكرتنا،‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬دولاب‭ ‬أمي‮»‬،‭ ‬‮«‬عيد‭ ‬ميلاد‭ ‬سعيد‮»‬،‭ ‬صندوق‭ ‬الحاوى‮»‬،‭ ‬‮«‬أوكازيون‮»‬،‭ ‬و«إزازة‭ ‬ريحة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬ذكريات‭ ‬تتشابه‭ ‬بالنص‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬بذكريات‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬نحن‭ ‬مواليد‭ ‬السبعينيات‭ ‬وأوائل‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬والذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬مناطق‭ ‬وأحياء‭ ‬مهمة،‭ ‬شبرا،‭ ‬العباسية،‭ ‬الظاهر،‭ ‬والحلمية،‭ ‬بل‭ ‬سنتذكر‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬‮«‬دولاب‭ ‬الأم‮»‬‭ ‬ذو‭ ‬المفتاح‭ ‬الذهبي‭ ‬المشغول،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬خزينة‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭ ‬المحصنة،‭ ‬والتي‭ ‬لايمكن‭ ‬أن‭ ‬نقترب‭ ‬منه‭ ‬أونفتحه‭ ‬أو‭ ‬نمسك‭ ‬أي‭ ‬شئ‭ ‬بداخله‭ ‬إلا‭ ‬بأمر‭ ‬منها‭ ‬هي‭ ‬شخصياً،‭ ‬ذلك‭ ‬الكنز‭ ‬الكبير‭ ‬أستطاعت‭ ‬أميرة‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬تفتحه،‭ ‬وتصفه‭ ‬لنا‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله‭ ‬المملة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الجدة‭ ‬ودورها‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الاطفال‭ ‬وقصصها‭ ‬وحكاويها،‭ ‬وليالي‭ ‬الصيف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬ومغامرات‭ ‬البحر‭ ‬وتلك‭ ‬الراية‭ ‬السوداء‭ ‬اللعينة‭ ‬التي‭ ‬تمنعنا‭ ‬من‭ ‬نزول‭ ‬البحر،‭ ‬تفاصيل‭ ‬تجعلنى‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬كنا‭ ‬نقضي‭ ‬كل‭ ‬الأوقات‭ ‬سوياً‭.‬


جعلتني‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬في‭ ‬شئ‭ ‬غريب‭ ‬جداً،‭ ‬كل‭ ‬جيلنا‭ ‬يكاد‭ ‬يتشابه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الذكريات‭ ‬والاحلام‭ ‬والأمال‭ ‬ولكن‭ ‬بأختلاف‭ ‬الأسماء‭ ‬والأبطال،‭ ‬وأتسائل‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬ستختفي‭ ‬مع‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الاجابة‭ ‬ستكون‭ ‬إيجابية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وإنتشار‭ ‬الفضائيات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاجيال‭ ‬القادمة‭ ‬وبكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬ذاكرة‭ ‬مشتركة‭ ‬لأن‭ ‬التنوع‭ ‬أصبح‭ ‬كبير‭ ‬ومختلف،‭ ‬فنحن‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬قناتين‭ ‬فقط‭ ‬الأولي‭ ‬والثانية،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬شئ‭ ‬التجمع‭ ‬الاُسري‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬العيلة،‭ ‬واللعب‭ ‬المشترك‭ ‬والاهتمامات‭ ‬الأسرية‭ ‬المشتركة،‭ ‬عودة‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الساعة‭ ‬الثالثة‭ ‬ظهراً،‭ ‬ليبدأ‭ ‬نشاط‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬العصارى،‭ ‬عندما‭ ‬يستيقظ‭ ‬الأب‭ ‬والأم‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬بعد‭ ‬الغذاء،‭ ‬اليوم‭ ‬وكما‭ ‬يقولون‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬بركة‭.‬

المدارس‭ ‬كانت‭ ‬يا‭ ‬تعليم‭ ‬خاص‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬الجاليات‭ ‬المسيحية‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الخدوى‭ ‬إسماعيل‭ ‬ولها‭ ‬باع‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والأخرى‭ ‬الحكومية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬الماضى‭ ‬حتي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬وتقدم‭ ‬تعليم‭ ‬جيد‭ ‬ومحترم‭. ‬كذلك‭ ‬أطفال‭ ‬العمارة‭ ‬الواحدة‭ ‬يلعبون‭ ‬سوياً‭ ‬ويعلقون‭ ‬الفوانيس‭ ‬التي‭ ‬يصنعونها‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬بين‭ ‬العمارات،‭ ‬وكما‭ ‬تقول‭ ‬الست‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬رجعونى‭ ‬عينيك‭ ‬لأيامي‭ ‬اللي‭ ‬راحوا،‭ ‬علموني‭ ‬أندم‭ ‬علي‭ ‬الماضى‭ ‬وجراحه‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يؤكد‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬ذاكرة‭ ‬مشتركة‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وكل‭ ‬مجموعة‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬كُتابها‭ ‬وكْتبها‭ ‬التي‭ ‬ستختلف‭ ‬كلياً‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭ ‬والتي‭ ‬لن‭ ‬يفهما‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬كتبت‭ ‬لهم‭.‬

هناك‭ ‬قصتان‭ ‬مهمتان‭ ‬أيضاً‭ ‬تحاول‭ ‬بهم‭ ‬أميرة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الماضى‭ ‬بالحاضر‭ ‬الذى‭ ‬نعيشه،‭ ‬‮«‬السر‮»‬‭ ‬و«مكتوب‮»‬‭ ‬في‭ ‬الأولي‭ ‬تحكي‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬سيدة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬خيانة‭ ‬زوجها‭ ‬الإلكترونية‭ ‬علي‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي،‭ ‬والثانية‭ ‬تحكي‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬الثورة‭ ‬والمظاهرات‭ ‬وعن‭ ‬إنتظارنا‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأحلام‭ ‬بحياة‭ ‬أفضل‭ ‬ليس‭ ‬لنا‭ ‬ولكن‭ ‬لأبنائنا،‭ ‬وكما‭ ‬تقول‭ ‬أميرة‭ ‬لقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬يصنع‭ ‬الذكريات‭ ‬لأبنائنا‭.‬
 

‮«‬أثنين‭ ‬غيرنا‮»‬‭ ‬القصة‭ ‬قبل‭ ‬الأخيرة،‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬غريبة‭ ‬جدا،‭ ‬فبمجرد‭ ‬أن‭ ‬بدأت‭ ‬بقراءتها‭ ‬وبدأت‭ ‬شخصيات‭ ‬القصة‭ ‬تتجسد‭ ‬أمامي‭ ‬كممثلين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقوموا‭ ‬بتجسيد‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬وكأني‭ ‬مخرج‭ ‬الروائع،‭ ‬فالبطلة‭ ‬كنده‭ ‬علوش‭ ‬والبطل‭ ‬هو‭ ‬عمرو‭ ‬يوسف‭ ‬ودور‭ ‬الأم‭ ‬الفنانة‭ ‬الرائعة‭ ‬سلوى‭ ‬محمد‭ ‬علي،‭ ‬وقد‭ ‬تخيلت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬موقع‭ ‬التصوير‭ ‬في‭ ‬أحدى‭ ‬منازل‭ ‬الكوربة‭ ‬القديمة‭ ‬الواسعة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للأماكن‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬علينا‭ ‬القصة،‭ ‬والتي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفتاة‭ ‬المنعزلة‭ ‬إجتماعيا‭ ‬عن‭ ‬جيرانها‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬عملها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وتتعرض‭ ‬تلك‭ ‬الفتاة‭ ‬لموقف‭ ‬يجبرها‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬وتتوالي‭ ‬الأحداث،‭ ‬والرائع‭ ‬أن‭ ‬أميرة‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬لنا‭ ‬مساحة‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القصة‭ ‬لكي‭ ‬يضع‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬النهاية‭ ‬التي‭ ‬تسعده‭ ‬حسب‭ ‬فكره،‭ ‬ونظرته‭ ‬للمجتمع‭ ‬وعلاقته‭ ‬بجيرانه‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬بها‭.‬
 

مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬مشوقة‭ ‬أستطاعت‭ ‬أميرة‭ ‬بلغة‭ ‬سهلة‭ ‬وممتعة‭ ‬أن‭ ‬تخرجنا‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬وتعود‭ ‬بنا‭ ‬لحياة‭ ‬نفتقدها‭ ‬وأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نراهم‭ ‬في‭ ‬صورة،‭ ‬أو‭ ‬نتذكرهم‭ ‬في‭ ‬موقف،‭ ‬وأصبحت‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬المانيكان‭ ‬الذي‭ ‬كتبت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬أوكازيون‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يتبقى‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬الرأس،‭ ‬ولكن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭ ‬جعلته‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬والت‭ ‬ديزنى‭ ‬الشهيرة،‭ ‬يتحدث‭ ‬ويشعر‭ ‬ويتفاعل‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬حوله،‭ ‬لقد‭ ‬أصبح‭ ‬المانيكان‭ ‬يخشى‭ ‬صوت‭ ‬طرقعة‭ ‬شبشب‭ ‬البائعات‭ ‬لأنه‭ ‬نذير‭ ‬شؤم‭ ‬يعنى‭ ‬الخبط‭ ‬والقلع‭ ‬ولبس‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬صنعته‭ ‬ماكينة،‭ ‬وأقبح‭ ‬ما‭ ‬يتصوره‭ ‬عقل‭ … ‬وتم‭ ‬إستئصال‭ ‬جسمها‭ ‬الشهى‭ ‬وبقى‭ ‬رأسها‭ ‬المكتسي‭ ‬باشارب‭ ‬مع‭ ‬‮«٥»‬‭ ‬رؤوس‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬الفاترينة‭.‬

إرسال تعليق

أحدث أقدم